انخبصت القرية فوق تحت، كون أكبر المعمرين (بو شافي) ينازع، ورائحة الموت تنبعث من المساريب. كان الفقيه يستدرك ويقول لا أحد يتألى على ربي «العلم عند الله» فيما ابنه الأكبر يحتلج يخامره شعور باقتراب تحرره ليصبح الآمر الناهي، ويغدي حامل لواء المرجلة، قعد عند رأس أبيه وسأله: توصّي بشيء يابه؟ فنظر إليه طويلاً، وقال «إذا متّ لا عقبني عافية». يحلم (مبخّس الدمون) بأن يقترن بزوجته الشابة، وكلما خلا بنفسه نظر إلى السماء، وقال بينه وبين نفسه «إن شاء الله يقضم رباطه الليلة وتنتهي عدتها واشفي غليلي»، وكل ما لقيها تستقي من البير يسألها: كيف قال شيبتكم اليوم؟ فتردّ عليه بزفرة: على حاله ذاك يا مبخّس، فيقول بصوت مشفق «الله يريحك منه، كِل زهرة شبابك، وما شفتي منه خير، خليه يكتب لك السافلة باسمك، وأبشري بمن يعوضك». اقترح على أبنائه بالبدء في حفر القبر. احتج عليه البعض، كيف نحفر قبراً لحي؟ فردد «يا أولادي هذا حال الدنيا، الأول الأول والتالي التالي، وانحن ما انحن بسامهين كلن بشغله، خلونا نحفر وإن جته المنية ما نتوخر في دفنه». كل ليلة يمتلئ المجلس بالرجال والنساء، يسمرون الشايب، يقترب «مبخّس» منه، ويخفته «والله يا مواري الموت أنها بادية على وجهك»، يتبسم أبو شافي، ويقول بصوت مرتفع «موعدنا تحت العرعرة». راحت أيام وجاءت أيام، وإذا بمبخّس الدمون سارح بمسحاته وعتلة ومنقبة وزنبيل، طلب من الفقيه يسرح معه يسنعون القبر لأبي شافي، فاعترض الفقيه، وقال يا رجّال: بشّر ولا تنفّر. وشبك مستعجل على جارك، ترى الدنيا محاذيفها في إيديها. قال: أنت يا فقيه دجعة وما حد يحتزم بك، ما قعدت في حراك، باسرح لحالي، واحفر القبر لوجه الله. ضحى يوم جمعة وإذا بالصائح يصيح. الجميع توقع أن أبا شافي أسلم الروح لباريها. وإذا بالناعي يطلب المسامحة لمبخّس الدمون، إذ فاضت روحه إثر لدغة ثعبان وهو يصرم عقشة نزلت في ركيبه. علم أبو شافي بالخبر فتبسم مردداً «للسالم في البحر طريق، ما هي لمن عبّيَت له، لمن كتبت له». علمي وسلامتكم. Al_ARobai@