يروى في الأثر أن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال «مَنْ خدعنا بالله انخدعنا له». مثّلتْ الحداثة في السبعينات المركز، بالتوازي مع التحديث اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، بينما كان الخطاب الصحوي هامشاً، وفي كل مرحلة من مراحل التحولات التاريخية تشتد المواجهة بين قوى التقدم وبؤر التخلف. حيلة العاجز عن مواجهة الفكرة بالفكرة لجوؤه إلى توظيف العقيدة والدين في الجدل، وبناءً عليه ينصّب نفسه محامياً عن الإسلام، وقاضياً على الخصوم، ولديه لائحة جاهزة من التهم الباطلة تبدأ بالتفسيق ولا تنتهي بالاتهام بالإلحاد والزندقة. من يعود لكتاب (الحداثة في ميزان الإسلام) ويقرأ المقدمة لن يصدّق أن قامةً علمية بحجم الراحل الشيخ عبدالعزيز بن باز انطلت عليه حيلة الصحويين، الذين ثبت بالأدلة والبراهين أنهم لا يوقرون علماء بلادنا، إلا أنهم نجحوا في استثارة غيرته على دين الله بكلام إنشائي، وكان منهج الشيخ عليه -رحمه الله وعفا الله عنه- هو منهج ابن عمر (من خدعنا بالله انخدعنا له). مما عمد إليه مؤلفا الكتاب، ومناصروهما، أنهما بررا اعتراضهما على الحداثة بكونها (اعتناقا لمذاهب مادية ملحدة تحاول العودة بالفكر العربي إلى الجاهلية الوثنية، وإشاعة الشعوبية، واستنهاض المذاهب الصوفية المنحرفة بغرض خلخلة العقيدة الإسلامية، ولأنها أعلنت الثورة والتمرد على كل ما هو ديني وإسلامي وأخلاقي، فهي ثورة على الدين والتاريخ وعلى التراث واللغة والأخلاق). بالطبع تم توظيف الكثير من النصوص لخدمة تطويع مشاعر الشيخ ابن باز ليتصدى معهم للدفاع عن العقيدة والمقدسات وحماية عقول النشء من تلويث الحداثة وتيارها الذي لا يقل خطراً عن المخدرات إن لم يكن أشد خطراً منها. السؤال اليوم (هل ورد في الكتاب أي ذِكر لدولتنا السعودية أو ولاة أمرنا، أو العلماء الأجلاء؟)، بالطبع لم يرِدْ، ولن يرد، لأن (الحداثة) في نظر الصحويين هي (الدولة)، والحرب الشرسة عليها خطوة أولى نحو انزياح التهم إلى كياننا الكبير، وهذا ما ظهر لاحقاً، بدءاً من مذكرة النصيحة، وليس انتهاءً بكتاب ألفه مجموعة منهم ونسبوه لرمز من رموزهم، وطبعوه في مركز الخلافة، ومنها وزع، فهل سيخدعنا الصحويون بالله مجدداً، أم أننا سنأخذ بقول عمر الفاروق (لستُ بالخب ولا الخب الذي يخدعني)؟.