تعد الأسواق عند العرب في التراث أماكن وملتقيات تجمعية، تتناول الأطر التجارية والاجتماعية والأنماط الثقافية وطرائق تحكمها المورثات من عادات وقيم وسلوكيات، ويؤم أفذاذ العرب هذه المهرجانات من كل مكان، فيستمع الدوي المميز، من خطب وأشعار وقصص وتسويق تجاري وتفاخر وتبارز ولم شمل وصلح وإصلاح ونقاش ومبارزات، يدعي إليها فطاحلة الزمان وشجعان العروبة من قحطان وعدنان وتضرب فيها الخيام، ويتصدرها أعمدة البيان وحكماء البلدان، ويفرز فيها التحاكم والاحتكام من قبل صنايد الفكر وعلماء الدين والبيان، جاعلين نصب أعينهم الموروث والسوابق والأعراف، يستندون إليها، ديدنهم الوفاء والإخلاص والشرف والأمانة والنخوة والكرامة واحترام مقامات الأعيان من الرجال والنساء وذوات الخدور، ويعد أشهر تلك الأسواق سوق عكاظ، وتوقيت انعقاده، كما أجمعت المصادر التراثية من ذي القعدة إلى قرب أوخره، وذكرت مصادر أن هذا التجمع المحمود والمشكور حضره المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولمح قساً في السوق على جمل أحمر اللون عليه شهبة الألوان ويدير شؤون الملتقى وفعالياته والإشراف عليه من قيس وثقيف وسفاينة الطائف، ويعد هذا الملتقى المتنوع المواهب في الجاهلية وفي الإسلام وفي عهدنا السعودي الزاهر نبراساً وضاء لثقافات الأمم العربية والإسلامية، بما يحمله من إرث تراثي يستعيد المسيرة الانطلاقية له قبل الإسلام، إذ فيه تتمحور الصور وفق منظومة المتغيرات والمكونات في الأجيال والأعمار والعقليات وهو الذي أراد أن يكون سوقنا العكاظي حاملاً إرث الماضي بعبقه وروحانياته، وتدخل عليه مطعمات الحياة المعاصرة، وفق الضوابط والسلوكيات والأخلاقيات الإسلامية والآداب والقواعد المرعية التي تحملها أدبيات شرعنا وشريعتنا، راجين ألاّ يعكر صفو هذه المعلمة العالمية الفريدة ما حدث وما لم يتوقع، ويجب ألا نقف مطالبين التحمل فوق الطاقة والإساءة إلى تراثنا، فالحدث يعبر السبيل وتتولى الجهات المختصة كل ما فيه الصالح العام ولا نجعل الغير يصنع ويحبك من الأنسجة والافتراضات بل وطرح العقوبات فإن ذلك يعتبر افتياتاً، فالأمر متروك للمسؤولين. * أستاذ السياسة الشرعية [email protected]