الصيام أحد الموروثات الثقافية العالمية التي لها جذور ضاربةٌ في تاريخ البشرية ولا تزال حاضرةً في مختلف المجتمعات الإنسانية. قبل الإسلام كان الصيام رائجاً في اليهودية والنصرانية والهندوسية والبوذية والكونفشيوسية وغيرها. واللافت للنظر أن كلمة «الصوم» موجودة في اللغة العبرية والآرامية والحبشية والعربية وربما توجد في لغاتٍ أخرى كذلك. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الإرث الثقافي القديم قائلا: «يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيامُ كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون». وقد تنوعت طرائق الصيام في الأديان، إلا أن ما يجمع كل هذه الأنواع من الصيام هو الإمساك عن فعل أشياء بغرض الوصول إلى التقوى كما أشار القرآن الكريم. ذُكر الصيام في التوراة والإنجيل وقد تضمنت التوراة خبراً عن صيام موسى عليه السلام الذي دامَ 40 يوماً، كما أخبر إنجيل عن صيام عيسى عليه السلام ل40 يوماً. ويحكي إنجيل مرقص أن يوحنا كان يُكثر من الصيام (مرقص 18/2)، كما ينقل الإنجيل أيضاً أن يحيى عليه السلام كان دائم الصيام. بالإضافة إلى الأديان السماوية، وُجد الصيام لدى القبائل الأفريقية والأسترالية والهنود الحمر الأمريكيين وغيرها من القبائل في مشارق الأرض ومغاربها. والسؤال المطروح هو ما الذي يدفع هؤلاء إلى الصيام في حين أحدهم كان بأفريقيا والثاني يقطن في قلب أمريكا الشمالية والثالث يعيش في صحاري أستراليا والرابع مقيمٌ في جبال ووديان آسيا؟ فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على وحدة الأديان واشتراك أصولها التي كانت واحدة في بادئ الأمر كما يشير إليه القرآن بقوله: «كان الناس أمة واحدة». وحاصل القول إن الصيام سنة موروثة عُمل بها في كافة الأزمنة وعند كل المجتمعات، فهي سنةٌ تؤيدها الفطرة والسننُ الإلهية في الخلق والتكوين، والتي تربط بين المجتمعات ويظهر من خلالها الأصل المشترك للأديان عبر التاريخ. وقد قام الإسلام الذي هو عصارة الرسالات السماوية بالحفاظ على هذا الإرث الإنساني العظيم ووضع له ضوابط وأصولا وأحكاما في أروع صوره. فلنعرف لهذا التراث الإلهي الأصيل قدره ومكانته. * محاضر بجامعة (إس إم يو) بولاية تكساس الأمريكية سابقا