تربى بخيت في قصر عامر، أقرب ما يكون لمتحف مكون من ثلاثة طوابق، ومن خارجه تزينه أحجار المرو اللامعة. تغنى به شاعر القرية يوم النُزالة وقال (كنّه البيت الأبيض بالشحم ليّسوه). كان المذياع الوحيد في القرية عند أبيه الشيخ مبخوت، وكانت الحرب العالمية الثانية على الأبواب، وصوت يونس بحري يلعلع من إذاعة ألمانيا (هنا برلين بيت العرب) بعد وفاة الأب انتقلت المشيخة لعمه (باخت)، وتزوج بأمه وانشغلا ببعضهما، فقرر الهجرة. أصبح بخيت في القرية ولا أمسى. التحق بالقوات السعودية، ومن هناك اتجه للشام ليلتحق بكتائب الجيش العربي للدفاع عن الجولان، تمسك بموقعه وكان من آخر الجنود انسحاباً، فعقدوا له محاكمة كونه تأخر في ميدان القتال، وحين علم بأنهم باعوا القضية دفع لهم غرامة، وسمحوا له بالسفر. عاد لديرته منكسر المعنوية، مجروح القلب من آثار الحرب، ولم يجد لا مشيخة ولا عرافة، وعندما وصل لبيت العم سلّمه المذياع، وقال: يا ابن آخي تراك محفول مكفول، وكل المطلوب تشحن لنا كل ليلة بطاريات الرادي وتشغله، نسمر عليه وإذا داسنا النوم تطفيه. علمت صيدة بعودته فرغبت الزواج به، لم تكن له زوجة فقط، بل صاحبة فضل، كونها قبلت به زوجاً برغم ممانعة أهلها، وتمسكها بكائن متعب ومعدم، إلا أن تتابع سعالها كان مصدر إزعاج له، وتحول لهاجس مقلق، فما أن يحل الليل حتى تنتابها الكحة، وبرغم كل محاولتها مداراة ألم صدرها، إلا أن الزوج الخبير يتوجع وقلبه يتقطع، بل وأحياناً تسبقه عبرته. توسّل إلى عمه الشيخ أن يفزع له بقرشين، سأله «وش تبغي بالقروش وانته آكل شارب منسدح» قال «مرتي مريضة باغدي اكشف لها في الطائف»، فلم يعطه ريالاً إلا بعد أن ضمن أكبر ركيب من المزارع وأغلاها. سافر بها، ونومها في مستشفى السداد، ولأن المرافقة ممنوعة كان يرابط عند شباك الغرفة من الخارج ليل نهار، حتى أخذ الله وداعته، فعاد للقرية بحزن يثقل كاهل العصبة. بدأ الشتاء ببرد يجمّد الدم في العروق. نام ورأى في المنام ما يوجب الاغتسال، فاستيقظ مردداً عندكم يا سكون. نفخ القربة الفاضية، وفشّها فوق رأسه قائلاً (كِذْبَة بكذبة) علمي وسلامتكم.