قضى (عبادة) نهاره كاملاً في مزرعته، يحصد ركيب القمح مع الحاصدين، تولى صنع الفتايل لتربيط الحزم، وابنتاه تلفان العيش من وراء الصرامة، وابنه يعقدها ويحملها على الجمل، وينتقل به من الوادي إلى المسطح المخصص لها. طمت شمس يوم الأول من رمضان، وراح المزارعون ما يشتون الكبدة، وأجسادهم منهكة تكاد تهوي من قامتها، رشف صاحبنا ما تيسر من الماء وابتلع تمرتين، وطلب من ابنه يمدي عليه من الإبريق ليجدد وضوءه، لحق بالجماعة لأداء صلاة العشاءين (مغرب وعشاء) المغرب في آخر وقته، والعشاء في أوله. تأخر أبو حسن عن عياله، قالت زوجته لابنه البكر: ابد تشوّف لابوك وشبه أحوى علينا، سمط عشانا في حراه، خرج الابن ينادي: يابه يا به، ما أحد ردّ عليه، أخذ الكشاف وقال لأمه: باغدي ألمح للشيبة لا يكون طاح في الطريق. وصل باب المسجد، وإذا حذاء أبيه بين الأحذية، اطمأن، لفته صوت قارئ لم يألفه من قبل، كان يقرأ بهم من سورة الرحمان، عاد الابن لأمه وأبلغها أن أباه ما زال يصلي، سألته: وش يصلي تا الحزة والخلق كلهم قد رقدوا؟، قال: والله ما أدري فيه إمام جديد شغال (يكذبان ما يكذبان). انتهت الصلاة، فقام العريفة ليعرف الجماعة بإمامهم الذي سيصلي بهم الفروض والتراويح طيلة رمضان، مقابل الزكاة، وطلب كل واحد بعدما يديس ويذري يحوز مُداً من البر، ويضعها عند أم عياله ليسلمها للشيخ نهاية رمضان. ثاني يوم نشبت الفتنة بين الإمام الوافد وبين جماعة القرية، اجتمع ثلاثة منهم، ونصوا بيت العريفة، قال أفصحهم: يا كبيرنا كلنا نطوّل لحميرنا، ونوثق الصكاك، حتى لا تعتدي في حق الغير، وحمارة فقيهك مفلوتة من ركيب في ركيب، والصرام ما بعد انتهى، خله يلزم حدوده، ويطوّل لحمارته سواة الناس. أبلغه العريفة بشكوى الجماعة، فأسرها في نفسه، انطلق في صلاة التراويح يقرأ المطولات، ويمط الركوع حتى يسمع طقطقة ركبهم، ما إن خرج أبو حسن من المسجد إلى الظلة حتى صرخ بأعلى صوته «يا ظهرك يا عبادة». علمي وسلامتكم.