أرجع الناقد الدكتور «سعيد السريحي» مصدر معرفته الأولى إلى كتاب «الصياد التائه»، وأوضح من خلال ندوته «حياة في القراءة» ضمن فعاليات معرض كتاب جدة أن طفولته لم تكن منعمة ولا مرفهة شأن بقية الأطفال من أقرانه، إذ لم يلعب لعبهم بحكم ضآلة جسده ولم يشاغب مشاغبتهم بحكم معاناته من علل عدة، وعبّر عن اعتماده على نفسه في إعادة الصياد من التيه، موضحا أنه وجد في كل قراءة خروج من التيه والضيق وعلامات يهتدي بها في مساره الثقافي والمعرفي، وعدّ القراءة ظلاً يواريه عن حرارة الهاجرة حتى وإن هجره زملاءه وتركوه وحيدا. وأكد «السريحي» أنه لا متعة للقراءة كونها تيها يقود إلى تيه، ووسيلة تكشف لنا مدى جهلنا، وعزا كل هذا الدمار الذي يقوض العالم إلى الكتاب والقراءة بما فيهم داعش وأخواتها، مستعيدا كل الهجمات الشرسة، وذهب إلى أن الكتاب قنبلة مثلما هو طوق للبعض. واستشهد ببيت جميل بثينة «رم الله في عيني بثينة بالقذى»، وقال «ليته ياتي ناع فينعاها»، كون القارئ العاشق يشعر أنه مضطهد ممن يحب، وبيت العقاد «لا رحم الله من علموا، جمهرة الكُتّاب أن يكتبوا». وكشف عن سر هجاءه الكتاب كونه عاشق له ولا يستطيع الفكاك منه فكأنه لعنة. واستعاد «السريحي» صديقه «عايد عيد الرفاعي» الذي كان منجم كتب، وأدهشه أنه كان يحضر المدرسة بكتب العقاد وطه حسين في المرحلة الابتدائية، ووصفه بصديق قفز من نافذة كتاب فمات. وأضاف، ثمة كتب خارج المنطق ويتحاشى أن يقول أنه قرأها، إذ كان في الثانوية يقرأ كتب أحمد أمين وروايات عبدالله العلايلي وقصص شارع الحمراء، مستدركا أنه ليس هناك كتاب لا يستحق القراءة. ونفى عن نفسه التمرد على السائد وإن كان يتعثر ويحاول تجاوز التعثر، مشيرا إلى أنه قرأ وكتب كونه لا يحسن غيرهما مما أحسنه وأجاده إلى القراءة. فيما أوضح أن جيله لم يعرف الترفيه بمعناه وممارسته اليوم خصوصاً أنه لا وسيلة للترفيه إلا المذياع، وأنه لم يعرف أن هناك مدينة اسمها الطائف إلا في المرحلة الثانوية. وعزا سلامة لغته إلى كتب المنفلوطي بما لها من ثراء لغوي وجمالية أسلوب، وقال من المفارقة أنه لا يمكن أن يقرؤه اليوم كما يقرأ طه حسين. وكشف أنه لم يخلع عباءة الشعر إلا أن الشعر خلعه، وقال:«ليتني استطعت أن أكتب كما كتب الشاعر محمد الثبيتي الذي أدهش الشعراء والنقاد والتضاريس». يذكر أن الندوة كانت بإدارة رئيس القسم الثقافي في صحيفة عكاظ "سعد الخشرمي".