لم يكن الأمر الملكي الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، القاضي بتشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمكافحة الفساد، الحدث الأبرز داخليا أو عربيا فقط، بل كان بامتياز حدثا عالميا، تصدر باقتدار صحف العالم، ومراكز البحوث والدراسات الإستراتيجية. القرار كونه غير مسبوق في تاريخ السعودية، خصوصا أنه تضمن القبض على عدد من الأمراء والوزراء وكبار المسؤولين السابقين ورجال أعمال. وكان هناك شبه إجماع على أن السعودية تتحرك باتجاه الشفافية والحوكمة والحكم الرشيد وإنهاء حقبة المحاباة والمحسوبية والكسب غير المشروع والارتهان للمحاسبة والمكاشفة وفتح النار على الفساد من غير رحمة ولا رأفة، كما أوضح الأمير الشاب بأنه سيتم ملاحقة الفاسدين جميعا، سواء كانوا أمراء، أو وزراء، أو مواطنين.. وهو ما حصل فعلا على الأرض. بيد أن بعض الكتّاب ومراكز الدراسات والصحف الغربية لم يستطيعوا للأسف قراءة هذا القرار التاريخي من الزوايا الإستراتيجية الحقيقية، خصوصا أنه مرتبط بسياسة الإصلاح والتحديث والتنمية ويتماشى مع رؤية 2030، التي تضع الحوكمة والشفافية في الأولويات، إذ ربطوا هذه القرارات بالأحداث التي وقعت في نفس اليوم، مثل استقالة الحريري وإسقاط الصاروخ الحوثي، في أطروحات لانقول اجتهادية فقط، بل تضمنت ربطا تعسفيا ما أنزل الله به سلطان، ونحن نعلم أن الإعلام الغربي له أهدافه الخبيثة التي يحاول من خلالها الالتفاف على الحقائق وتقديم معلومات مغرضة ضد السعودية. كما انبرى وراء الإعلام المأجور إعلاميون وافتروا علي السعودية ظلما وعدوانا. ونحن نعرف أهداف الإعلام الغربي المسموم وعمالتهم للأعداء وهم يعلمون أيضا أن ليلة 4 نوفمبر لم تكن على الإطلاق ليلة عادية، بل ليلة نحر الفساد وملاحقة المفسدين. وهكذا فإن السعودية المتجددة ماضية في خطوات الإصلاح والتنمية والتحديث وليس فقط مكافحة الفساد، بل واجتثاثه من جذوره وإخراج الفاسدين من جحورهم، استكمالا لسياسة إصلاحية ستعود بالنفع على الشعب السعودي بالدرجة الأولى، خصوصا وأن السعودية تقود اليوم المشهد السياسي، باعتبارها دولة محورية بمنطقة الشرق الأوسط، ذات تأثير إسلامي وميزة تنافسية عالية. وخطوة اجتثاث الفساد واحدة من المؤشرات العملية لعهد جديد خال من الفساد والمحسوبية، لقد حظي الأمير محمد بن سلمان بدعم من القيادة باعتباره مهندس السياسة الإصلاحية ونجح بحسه الإستراتيجي في اتخاذ قرارات جريئة، حظيت بقبول وتقدير من الداخل والخارج، خصوصا في ما يتعلق بالحفاظ على الأموال العامة ومحاربة الفساد. لقد فتح محمد بن سلمان باب مكافحة الفساد على مصراعيه مع توقعات بانطلاق حملات جديدة لاستكمال هذه الحلقة من الإصلاح من القمة إلى القاع، لقد شهدنا وشهد العالم ولادة سعودية جديدة في 4 نوفمبر.. السعودية تمضي في وضع الرؤية 2020 موضع التنفيذ، وإعادة هيكلة الدولة والاقتصاد. السعودية تمر بمرحلة انتقالية كبرى، تستغرق بعض الوقت حتى يصبح هذا الوضع الجديد راسخا وواضحا.. إنها خطوة «غير مسبوقة» تعني أن السعوديين جادون في الإصلاح والمساءلة. 4 نوفمبر.. ليلة نحر الفساد.. من هنا يبدأ الإصلاح الحقيقي.