لم يكد يجف حبر الأمر الملكي الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، القاضي بتشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمكافحة الفساد وتتبع الفاسدين، باعتباره نهج الدولة في تعزيز النزاهة والمضي في الإصلاح الذي دأبت عليه القيادة السعودية، حتى بدأ قطار البحث عن الفاسدين، بالقبض على أمراء ووزراء ومسؤولين كبار بلا تأخير أو تردد، لأن ولي العهد كان قد أوضح في تصريحات سابقة «أن الدولة ستواجه الفاسدين المتورطين ولن ترحمهم؛ سواء كانوا أمراء أو وزراء أو مواطنين»، وبالفعل حدث هذا في ليلة الأحد، ليلة نحر الفساد، والحوكمة، والشفافية، والمحاسبة التي انطلقت تحت شعار «أنى لك هذا». وبمقتضى الأمر الملكي فإن اللجنة مخولة التعامل مع حصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة في قضايا الفساد العام، والتحقيق، وإصدار أوامر القبض، والمنع من السفر، وكشف الحسابات والمحافظ وتجميدهما، وتتبع الأموال والأصول ومنع نقلها أو تحويلها من قبل الأشخاص والكيانات أياً كانت صفتها، ولها الحق في اتخاذ أي إجراءات احترازية تراها حتى تتم إحالتها إلى جهات التحقيق أو الجهات القضائية بحسب الأحوال، إلى جانب اتخاذ ما يلزم مع المتورطين في قضايا الفساد العام، واتخاذ ما تراه بحق الأشخاص والكيانات والأموال والأصول الثابتة والمنقولة في الداخل والخارج، وإعادة الأموال للخزينة العامة للدولة، وتسجيل الممتلكات والأصول باسم عقارات الدولة. وهذا يعني أن اللجنة أعطيت الصلاحيات القانونية الكاملة لمتابعة قضايا ملف الفساد من زواياه كافة، وجاءت تأكيدات الملك سلمان بن عبدالعزيز أنه منذ توليه المسؤولية حرص على تتبع ملف الفساد انطلاقاً من مسؤولياته تجاه الوطن والمواطن، وأداء للأمانة لرعاية مصالح المواطنين، واستشعاراً منه لخطورة الفساد وآثاره السيئة سياسياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً، واستمراراً على نهجه في حماية النزاهة ومكافحة الفساد والقضاء عليه، وتطبيق الأنظمة بحزم على كل من تطاول على المال العام ولم يحافظ عليه أو اختلسه أو أساء استغلال السلطة والنفوذ في ما أسند إليه من مهمات وأعمال. وكما ذكر وزير الثقافة والإعلام الدكتور عواد العواد معلقا على الأمر الملكي الكريم بأن مكافحة الفساد مطلب رسمي وشعبي لتحقيق العدالة الاجتماعية وتوطيد قيم النزاهة والعدل والمساواة في المجتمع وتسريع وتيرة الإصلاح، لافتا إلى أن القرار سيكون له أثر إيجابي كبير بإعادة الأموال المنهوبة من دون وجه حق للاستفادة منها في مشاريع التنمية، وإعادة عشرات الملايين من أمتار الأراضي المستولى عليها بغير وجه حق للاستفادة منها في حل مشكلات الإسكان. رسالة الملك سلمان لولي العهد واضحة، لا مكان للفاسدين بيننا، ويجب تعقبهم، وإرسال رسالة واضحة وحازمة لجميع فئات المجتمع، أميرا أو وزيرا أو مواطنا، بأنه لن يفلت أحد من المحاسبة والمعاقبة متى ثبت تورطه في قضايا الفساد، في إطار سياسة المملكة الرامية للمحافظة على المال العام، ومحاسبة المفسدين، وكل من عمل على استغلال منصبه للإثراء والتكسب، معلناً انطلاق مرحلة جديدة تؤسس لأسلوب إدارة الدولة القائم على أسس النزاهة.