للفنون عشاقها مثلما لها كارهوها الذين يعتبرونها رجساً من عمل الشيطان، لا يلحظون أي جمال ينبعث منها، تمقتها عقولهم وتشمئز منها حواسهم، على الرغم من أن الفن وسيلة إنسانية للتعبير واستنطاق الذات وأداة للارتقاء بالمجتمعات والسمو بالأنفس، بيد أنهم نزعوا الإنسان من دواخلهم حتى تبلدت قلوبهم وذبل إحساسهم، إلى الحد الذي لا تطرب فيه مسامعهم لأغنية، ولا تسر أعينهم للوحة تشكيلية، ولا تغمر أرواحهم البهجة عند قراءة قصيدة حداثية. أولئك هم أعداء «الفن» الذي يمسح عن الروح غبار الحياة اليومية، كما قال الرسام الإسباني بابلو بيكاسو، ووصف حالهم الروائي الفرنسي ميلان كونديرا، إذ يقول: «كاره الفن لا يحيا بسلام، إذ يشعر بأن وجود شيء لا يفهمه يهينه، فيكرهه»، وهذا ما حدث في حائل حيث طالت أيادي المخربين لوحات تشكيلية لرسامات مبدعات، طمسوا بعض أجزائها ببشاعة ومزقوها, ولم تسلم من أياديهم التعيسة العبارة التي ترددها كل الألسن الحائلية «يا بعد حيي»، والتي تعود جذورها إلى سفانة ابنة حاتم الطائي، وخطتها يد الرسامة إبتهاج في لوحتها فطمسوها، وسرقوا البهجة من وجهها ولوحتها. ظاهرة الاعتداء على الأعمال الفنية بشكل عام وكل ما يرمز للفن وتخريب الأعمال التشكيلية على وجه الخصوص ليست وليدة اللحظة، ولا ترتبط بالسذج من المراهقين مثلما يعتقد البعض، بل حتى برجال ونساء كبار ومتعلمين ويعملون في مناصب مختلفة، حيث يرون في العمل الفني «منكرا» يستوجب أن تسحقه أياديهم, والأمثلة كثيرة في مجتمعنا، ففي عام 2012 قام عميد إحدى الكليات بتمزيق رسومات فتاة في معرض تشكيلي قام هو بافتتاحه وليته لم يفعل. رغم بشاعة ما حدث لفنانات حائل، إلا أن هناك أمراً يستحق أن نفخر به كعشاق للفن ومناصرين له، وهو استنكار الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي لذلك الجرم ووقوفهم إلى جانب الفنانات ومشاطرتهن الألم وتشجيعهن على الاستمرار، سعدت كثيرا وأنا أرى التعليقات الإيجابية تنهمر على موقع الهيئة العامة للسياحة والتراث مواساة وتشجيعا لإبتهاج عبر حسابها في إنستغرام, حيث اعتذر لها شاب خلوق عن ما بدر من أبناء جنسه من تخريب لعملها، وأخبرها آخرون أنهم فخورون بها وبفنها. هذا التضامن مع الفنانات يبشر بالخير، ويعكس حجم الوعي بقيمة الفنون ورفض ما يقوم به أعداؤها من ممارسات بشعة لا تليق بمسلمين ولا بمجتمع إنساني متحضر، والأجمل حين تتضامن جهة ثقافية كجمعية الثقافة والفنون وتتقدم إلى الشرطة بطلب التحقيق في تخريب الأعمال، وتمد يدها إلى الفنانات وتفتح أبواب الدعم والاحتواء لهن. الفن هو القشة التي يجب أن نتشبث بها كي لا نغرق في الكآبة والهمجية والرتابة، هو وسيلتنا لنصبح أكثر حضارة وإنسانية، والعصا السحرية التي ستصب البهجة في لحظاتنا، هو واجهتنا المضيئة أمام العالم، فلننتصر له ولنضاعف من مساحته في حياتنا ونجعله حاضراً في كل تفاصيلها. ريم العسيري reemeta22@