فتح (أبو نصيب) عينيه، فإذا بأهل القرية كلهم محيطين بسريره الموجه إلى القبلة. انتفر، ثم طلّق بالثلاث لتعدلون السرير. تساءل «وشب الشياطين التفوا الليلة»، وحندر عيونه وواصل: «ليش مستعجلين عليّه، فيش قد آذيتكم، وإلا تبغون الخبز والتمر، تتصرطون اللقم وترددون (يا بو نصيب يا بياه)، بحول الله لادفن نصكم»، علّق المتلوّن منهم: ماشي خلاف يا رجال. نهره «اسكت أنت يا مصلي الفرض، ومفسد في الأرض» فصمت. صاح في ابنه: وين انته يا الأهتش؟ أجابه «هاه» فرد: رمح سد نحرك، من جمّعهم ذوليه عندي؟، أجاب: أنا يابه، لأنك من البارح وأنت تخرف في كلامك، وما خليت مخلوق من الأحياء والأموات إلا ذكرت اسمه. علّق: وش عليك من زحمة. وإلا حتى أنته ودّك بالفكّة. زحفت زوجة نصيب على مؤخرتها، دنت منه، قالت: ما ودّك توصي لي بشيء، تلفت يدور المشعاب فتفادته، وألحقها الكلام «آهي لكم عجوز الجن. وش أوصي لك، وإنتي حقتي كل ما قدامي وما ورايه، ونتفتي ريشي يا عرقوب الفقر، الله لا يعيدها من ساعة، منكن من تدني ويدني لها الغنى، ومنكن من تحدى الغنى بعمود». تمتمت «الله ربنا وربك». لم يتمالك الحضور أنفسهم من الضحك، والقهقهة بصوت عال، ودموعهم تتقاطر على خدودهم خصوصاً عندما طلب الشيبة السروال. سأله ابنه: وين تغدي يابه؟ أجاب «أخرجني معي كتمة»، خرج فوق الجناح لبعض الوقت، وعاد مردداً «الشوكة ما توجع إلا من يطاها، وكل حي لازم يموت». بعد ليال كان يوصي ابنه «اذبح البقرة، وعش عليّه، ولا تنس أخواتك من محصول البلاد» ردد: أبشر لمرات، ودّع أبو نصيب الحياة، فاستعد نصيب لتنفيذ الوصية، أخرج البقرة من السفل، لحقته أمه متسائلة: وين غادي الله يقطع نصيبك، قال باذبحها وأعشي على آبي، قالت: تحرم عليك وعليه، أتلف زهرة عمري وهو حي، وألحين يتلف بقرتي وهو ميت، استدرك لكن يا امه آبي أوصاني، قالت: يوصي الموصي ويعيا الوارث.. علمي وسلامتكم.