اعتاد الإعلام القطري على المتاجرة بالقضية الفلسطينية، مثله في ذلك مثل الدول والتنظيمات التي تدور في مداره، كإيران ونظام الأسد وحركتي حزب الله والحوثيين، وكان الخمسة بالإضافة لجماعة الإخوان المسلمين يدورون في فلك واحد بشكل واضح، في العقد الأول من القرن الحالي. وبالتالي كان وضع سلطات الاحتلال لبوابات تفتيش وكاميرات ذكية عند المسجد الأقصى، فرصة سانحة للمتاجرة بالقضية، والمزايدة على السعودية في نصرة القضية الفلسطينية، وكان الأقصى آخر ما ختم به الشيخ تميم خطابه المتلفز، معتبراً إياها فرصة للحوار والتقارب، رغم أن الحوار حمل كل ما من شأنه إبعاد قطر أكثر عن معنى الحوار. لكن وعلى عكس ما تتمنى قطر وباقي الرفاق، أتى فعل الملك سلمان لا قوله، ليجبر سلطات الاحتلال على إزالة البوابات والسماح للمصلين بالدخول للمسجد بعد نحو أسبوعين، ليكون بحق «خادم الحرمين وأولى القبلتين»، وهو واجب على الملك سلمان وحكام السعودية ونهج ثابت من قضية فلسطين عبر التاريخ، والشواهد لا تُغَطى بغربال. هذا بالطبع لا يقلل من ثبات المقدسيين والفلسطينيين عامة، والذين صدموا بثباتهم العالم، وصُدمت إسرائيل من ثبات الفلسطينيين ومساندة العرب والمسلمين، وموقفهم الثابت من المسجد الأقصى، فلم تعد أحلام إسرائيل بتراجع أهمية فلسطين إلا أضغاث أحلام، ولم تسمح كل المآسي من العراق إلى سورية مروراً باليمن وليبيا، على فجاعتها أن تؤدي لتراجع قضية فلسطين عن كونها قضية العرب المركزية. ولأن تحرك الملك سلمان ألجم هذه الحملة الإعلامية ودون ضوضاء، فقد كان لزاماً على هذه الماكينة التوجه لمعركة أخرى، وهي معركة دينية أيضا عبر الحديث عن منع الحجاج القطريين من زيارة السعودية للقيام بشريعة الحج، وهو أمر جربته الماكينة الإعلامية القطرية، في عمرة رمضان لكن لظروف بداية الأزمة، والرد السعودي بالأرقام قطع الشجرة من جذورها. اليوم في وسائل الإعلام القطرية يتم الحديث حول الحج، والقول بوجوب فصل الحج عن السياسة، والذي لم تقل يوما المملكة إنهما قرينان، والدليل وصول الحجاج الإيرانيين في العام الماضي من خارج إيران، بعد أن منعت إيران حجاج الداخل من الحج. فنجد الأذرع الناعمة لقطر (الإعلام) تستنسخ الحملة الإيرانية في العام الماضي وأعوام خلت، والتي كانت تستهدف الحج للنيل من السعودية، والحديث عن تدويل الحج حنقا من مكانة السعودية كبلد الحرمين الشريفين، ويعكس ذلك في أحد أوجهه الاتفاقية الأخيرة بين قناة الجزيرة ووكالة إرنا الإيرانية، بعد زيارة وفد إيراني إلى الدوحة في الأسبوع الماضي. ولعل هذا التوأم السيامي القطريالإيراني، أعطته هذه الأزمة الفرصة ليتكشف أكثر، ويتضح كم هي المشتركات كبيرة بين النظامين، ورب ضارة نافعة، فقد تبين أن كل هذا الصمت من الجزيرة منذ 2014 عن مهاجمة السعودية، والمشاركة الاضطرارية في التحالف العربي في اليمن، كما يقول وزير الدفاع القطري خالد العطية، إنما هو خشية من إغضاب المملكة، وكان يستعاض عنه بالقنوات والمواقع المساندة، ولما تكشف نكث قطر لاتفاق الرياض 2013 والاتفاق التكميلي في 2014، وقد سقطت الأقنعة وصار ما يقال بالخفاء ظاهراً للعلن. إيرانوقطر معاً راهنوا على الإسلام السياسي بشقيه، ورأوا أن التعاون مع الإرهاب يقيهم شر الإرهاب، ويسمح لهم أن يوظفوه لزعزعة الدول العربية، وعلى رأسها بالطبع الدول الأربع المقاطعه لقطر. والنظام القطري زيادة على تشاركه مع النظام الإيراني فإنه يحقق هدفا كبيرا لإيران، وهو تفريق الكلمة في الخليج، بينما إيران لم يسلم منها حتى الكويت، التي حافظت على علاقات جيدة مع إيران وحملت رسائل الوساطة بين الخليجيين وإيران، فما كان من إيران إلا أن ردت الجميل للكويت بخلية العبدلي، وما للسفارة الإيرانية من دور في تهريب المطلوبين في الخلية. وهذا يؤكد على أن انتقال الحكم من الشيخ حمد للشيخ تميم كان صوريا بامتياز، وقد أصبح الشيخ تميم كرئيس الجمهورية روحاني، بينما الأمير الوالد يمثل مرشد دولة قطر، حيث تخضع له الملفات السياسية والأمنية، مما يعني إصرار قطر المرشد على الاستمرار في دعم الحركات الإرهابية في عدة دول عربية، وأبرزها اليوم دعم الميليشيات الحوثية في استهدافها الصاروخي لقبلة المسلمين. إن المحركات الذهنية والعقد النفسية للحمدين، تحركهم للتحالف مع الشيطان في سبيل الصمود والتمسك بدعم الإرهاب، يركبون سفينة قطر للإبحار إلى خليج فارسي غير الخليج العربي الذي يمثل محيطهم الطبيعي، لكن سمك النهر إذا ولج البحر نفق.