في الوقت الذي يرفع الاعلام القطري صوته بدعوى الدفاع عن المسجد الأقصى، يرى الرأي العام العربي والإسلامي علم إسرائيل مرتفعاً مرفرفاً في وسط الدوحة عاصمة قطر.. التباكي على المسجد الأقصى سياسة امتازت بها جميع الأطراف التي خانته ووظفته لخدمة أهدافها وتوجهاتها السياسية. ففي العلن وأمام الرأي العام، تعمل هذه الأطراف الخائنة للمسجد الأقصى بتوجيه التهم لكل من يقف في وجه سياساتهم الهدامة ولكل من لا يتفق مع سياساتهم التخريبية. هذه السياسات البكائية تجاه المسجد الأقصى والتحريضية ضد كل من لا يتفق معهم بدأت مع جماعة الاخوان التي استغلته لتصفية معارضيها في نهاية الأربعينيات من القرن العشرين، وتصاعدت مع نظام الخُميني في إيران ونظامي البعث في العراق وفي سورية في الثمانينات من القرن العشرين، وازدادت وتيرتها مع وصول نظام الحَمَدين للسلطة في قطر في منتصف التسعينات من القرن العشرين. هذه الممارسات السياسية والإعلامية المضللة التي استغلتها هذه الأطراف لم تكن تهدف لحماية المسجد الأقصى ولم تعمل على تمثيل من يقوم على خدمته، وإنما كان وراء هذه الممارسات السياسية والإعلامية المُضللة أهداف سياسية بعيدة المدى وعميقة الهدف لم يكن يتخيلها الرأي العام العربي والإسلامي الذي لم يتوقع أن يتم استغلاله من قبل من يرفع شعارات إسلامية لتحقيق أغراض سياسية تخدم مصالحه الضيقة. وإذا كانت أحداث التاريخ التي تعود للأربعينات من القرن العشرين غير معلومة للكثيرين بسبب تقادم الزمان ودخول التحريف على كثير مما كتب ودّون، وكذلك إذا كان لم يتوفر التقدم التكنولوجي في الثمانينات من القرن العشرين كما هو الآن ولم يتمكن من تناقل قضية "إيران كونترا" لتوضح مدى عمق التقارب الإيراني – الإسرائيلي في الوقت الذي ترفع شعارات "الموت لأميركا" و "الموت لإسرائيل"، فإن التقدم التكنولوجي الكبير وتنوع مصادره التي تنقل ما يحدث بالصوت والصورة يوضح مدى وعمق التقارب القطري مع إسرائيل التي تعبث بقدسية المسجد الأقصى وتحتل الأراضي الفلسطينية وتمارس سياساتها العنصرية ضد أبناء الشعب الفلسطيني. هذه التناقضات الكبيرة في المواقف السياسية بين ما هو معلن وبين ما هو واقع أدت إلى تضليل كبير جداً للرأي العام العربي والإسلامي وتسببت بأزمات سياسية وقادت لعدم استقرار سياسي في بعض الدول العربية. فالرأي العام بطبيعته المتدينة تأثر بالخطابات السياسية الثورية وضُلل باللغة الإعلامية العاطفية التي استخدمتها أطراف التباكي على المسجد الأقصى. ولكن هذه السياسات البكائية التي نجحت في السابق لن تنجح في المستقبل بسبب وعي الرأي العام العربي والإسلامي الذي أدرك بأن هذه الأطراف إنما ترفع شعارات الدفاع عن المسجد الأقصى فقط لكي تغطي على سياساتها القوية وعلاقاتها المتقدمة مع إسرائيل. هذا الوعي الكبير لدى الرأي العام العربي والإسلامي الرافض لاستغلاله من قبل أطراف التباكي على المسجد الأقصى هو الذي رفض حملة التحريض الإعلامية التي مارستها قطر سياسياً واعلاميا بدعوى الدفاع عن المسجد الأقصى. فالقائمون على رسم السياسة الإعلامية القطرية ما زالوا يعيشون في القرن الماضي مستخدمين نفس الأسلوب التضليلي واللغة البكائية على المسجد الأقصى في الوقت الذي يرى فيه الراي العام العربي والاسلامي قادة إسرائيل على وسائل الاعلام القطرية يبررون تعديهم على قدسية المسجد الأقصى وتطرفهم وارهابهم تجاه أبناء الشعب الفلسطيني. ولكن يبدو أن القائمين على السياسة والاعلام القطري ينظرون للرأي العام العربي والإسلامي نظرة فيها الكثير من عدم الاحترام وعدم التقدير. ففي الوقت الذي يرفع الاعلام القطري صوته بدعوى الدفاع عن المسجد الأقصى، يرى الرأي العام العربي والإسلامي علم إسرائيل مرتفعاً مرفرفاً في وسط الدوحة عاصمة قطر. وفي الوقت الذي يتباكى فيه الاعلام القطري على تعدي الجنود الإسرائيليين على ساحات المسجد الأقصى، يرى ويشاهد الرأي العام العربي والإسلامي المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي على شاشات الاعلام القطري متباكياً على جنوده الذين تعدى عليهم أطفال الحجارة. وفي الوقت الذي يقوم الاعلام القطري بعرض مشاهد توضح معاناة المصلين الفلسطينيين الذاهبين للمسجد الأقصى، يرى الرأي العام العربي والإسلامي مشاهد وصور تظهر الشيخ حمد بن خليفة ورئيس حكومته يتصافحون ويتبادلون السلام والضحكات مع مسؤولي إسرائيل الذين تسببوا بمعاناة أبناء المسجد الأقصى. وفي الوقت الذي يعمل الاعلام القطري على استعطاف الرأي العام بصور تظهر شهداء أبناء الشعب الفلسطيني، يرى ويشاهد الرأي العام العربي والإسلامي عددا من المتحدثين الإسرائيليين على وسائل الاعلام القطرية يبررون قتلهم للفلسطينيين بدعوى أنهم إرهابيين. وبالإضافة لذلك، تسببت السياسة القطرية وتسبب الاعلام القطري بزيادة معاناة أبناء الشعب الفلسطيني في جميع المناطق المحتلة. فبدلاً من أن تعمل السياسة والاعلام القطري على تقوية موقف السلطة الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني الذي اعترفت بها الدول والمنظمات الدولية، نجد أن السياسة والاعلام القطري تعترف بالفصائل الفلسطينية الأخرى وتدعمها على أنها الممثل الشرعي للفلسطينيين على حساب السلطة الفلسطينية. وبدلاً من تعمل السياسة والاعلام القطري على تقوية وحدة الصف الفلسطيني وعدم تصعيد الخلافات بين الفصائل الفلسطينية، نجد أن السياسة والاعلام القطري يعملان على اضعاف وحدة الصف الفلسطيني ودعم الانقسامات السياسية بين أبنائه. وبدلاً من أن تلتزم السياسة والاعلام القطري بالسياسات العربية المقاطعة لإسرائيل على جميع المستويات بهدف تقوية الموقف الفلسطيني، نجد أن قطر تستقبل السياسيين الإسرائيليين وتستضيف وسائل الاعلام القطرية السياسيين والاعلاميين الإسرائيليين. هذه المتناقضات السياسية والإعلامية الظاهرة التي تمارسها السياسة القطرية ويمارسها الاعلام القطري هي التي جعلت الرأي العام العربي والإسلامي ينظر نظرة عدم احترام وعدم تقدير للسياسة القطرية وللإعلام القطري. فالرأي العام لن يحترم من لم ولن يحترمه ولن يقدر من لم ولن يقدره. وإذا كانت هذه الممارسات البكائية والتضليلية التي تمارسها السياسة القطرية ويمارسها ويستخدمها الاعلام القطري تعبر عن عدم احترام وعدم تقدير للرأي العام العربي والإسلامي، فإن الوضع يصبح أسوأ من ذلك بكثير عندما نسمع ونشاهد على وسائل الاعلام القطرية فلسطينيين يعملون ويظهرون ويستخدمون لغة وضيعة تخوّن كل عربي غير قطري وتهاجم كل الحكومات العربية باستثناء حكومة قطر وتلصق كل التهم والاكاذيب بالمسؤولين العرب وتبجل المسؤولين القطريين فقط وتدعو للثورات وتغيير الحكومات العربية بدعوى نصرة أبناء الشعب الفلسطيني. هذه الممارسات الدنيئة واللغة الوضيعة التي نسمعها ممن يعملون في وسائل الاعلام القطرية من الفلسطينيين تدل بأنهم ينظرون للرأي العام العربي والاسلامي نظرة استصغار وامتهان وبأنه لم يصل لمرحلة الرشد والعقل الذي يمكنه من أن يفرق بين الجيد والوضيع. فهؤلاء الفلسطينيون الذين يرفعون شعارات تحرير المسجد الأقصى عبر وسائل الاعلام القطرية، كان الأولى بهم مطالبة الحكومة القطرية بعدم إقامة علاقات مع إسرائيل حتى تحرير المسجد الأقصى. وهؤلاء الفلسطينيون الذين يطالبون الشعوب العربية بالذهاب لفلسطين لتحرير المسجد الأقصى، كان الأولى بهم أن يكونوا أول الذاهبين للدفاع عن أرضهم وأهلهم وليس البقاء في الفنادق القطرية. وهؤلاء الفلسطينيون الذين يطالبون الشعوب العربية بالثورة على حكوماتهم لأنها لم تستطع تحرير الأراضي الفلسطينية، كان الأولى بهم أن يغادروا قطر التي تستقبل السياسيين الاسرائيليين وترفع العلم الإسرائيلي. وهؤلاء الفلسطينيون الذين يطالبون كل العرب بأن يقطعوا علاقاتهم مع إسرائيل وبشكل سريع، كان الأولى بهم أن يطالبوا وسائل الاعلام القطرية بعدم استضافة إسرائيليين يبررون إرهابهم ويسمون الشهداء الفلسطينيين بالإرهابيين. إن هؤلاء الانتهازيين الذين استضافتهم ووظفتهم دولة قطر هم الذين يسيّرون السياسة القطرية بعد أن تمكنوا من مفاصل الدولة. فنظام الحَمَدين الذي تميز بعدم الادراك السياسي وضعف التخطيط الاستراتيجي جعل دولة قطر رهينة لهؤلاء الانتهازيين اللذين وجدوا في قطر الوطن بعد أن طردوا من أوطانهم، والمأوى بعد أن كانوا منبوذين، والبيئة المناسبة لبث أفكارهم الهدامة بعد ان كانوا عاطلين عن العمل. وفي الختام من الأهمية القول إن التاريخ يسجل جيداً من الذي خدم المسجد الأقصى ومن الذي يخدم القضية الفلسطينية ودافع عنها بجميع الوسائل السياسية والعسكرية والاقتصادية والمالية والثقافية. فتاريخ الشعوب لا يمكن طمسه وشواهد التاريخ لا يمكن تزويرها خاصة في الوقت الراهن الذي تنتقل فيه الصورة بشكل سريع ومن غير وسيط. فالرأي العام العربي والإسلامي الذي كان يتأثر كثيراً ويتم استغلاله عاطفياً بتزوير الحقائق وتغيب الوقائع، أصبح الآن مساهماً كبيراً في نقل الحقيقة من أرض الواقع وبلغة الحدث نفسه. فالرأي العام سوف يحترم من احترمه في الماضي وسوف يقدر من قدره في السابق. فهل سوف تستمر لغة التباكي المُضللة على المسجد الأقصى ونصرة القضية الفلسطينية لتمرير الاجندة التخريبية، أم أن وسائل الاعلام القطرية سوف تستخدم وسائل أخرى للاستمرار في تقويض استقرار الشعوب العربية؟