لم تكن صبيحة ال27 من يونيو 1996 إلا فصلاً جديداً من مسلسل «الانقلابات البيضاء» في دولة قطر، فبعد أكثر من 24 عاماً على انقلابه الأبيض وتسلمه السلطة في أواخر فبراير 1972، جاء التاريخ بسجلاته الثقيلة ليسدد ديونه من أمير قطر السابق، ويعلن انقلاب ابنه عليه، ليتولى حمد بن خليفة زمام السلطة في الإمارة الصغيرة (شرق شبه الجزيرة العربية) في يونيو 1996. وأطل الأمير «المنقلب» لأول مرة على التلفزيون صيف 96 ليتلو بيان عزل والده، بعد أن استغل غيابه عن البلاد، وليبدأ الابن رفع دعاوى قضائية على والده في الدول الأوروبية، وقمع حتى المتعاطفين مع الأمير خليفة آل ثاني، ليبقى الأخير في المنفى لأكثر من 9 أعوام، ولم يظهر في الدوحة إلا بعد تشييعه لجثمان زوجته، في وقت تؤكد وسائل إعلام أن الأمير خليفة ظل قيد الإقامة الجبرية في العاصمة القطرية. وتعود تفاصيل قصة الانقلاب الشهيرة، عندما أقام حمد بن خليفة حفل وداع فاخرا لوالده بالمطار، والذي كان في طريقه لقضاء إجازته السنوية في سويسرا، ومقبلاً يده أمام الكاميرات، ولم تدم تلك القبلات طويلاً، حتى أدار حمد وجهه ليخلع أباه عن الحكم، عقب إقلاع طائرة الشيخ خليفة من مطار قطر، والذي بات يجوب العالم لسنوات بحثا عن مأوى بعد تعذر عودته ولو بصفة مواطن، حتى أذن الابن بعودة والده بعد عقد من الزمان، ولكنه تفاجأ أن «كعبة المضيوم» ستكون إقامة جبرية له حتى الموت. وفي ذلك اليوم، وبعد إقلاع طائرة الشيخ خليفة، قطع التلفزيون الرسمي لقطر إرساله، لإعلان بيان الانقلاب الأول، واستدعى وقتها الابن رموز القبائل والعائلات للسلام عليه، لكنهم فوجئوا بطلبه مبايعته أميرا للبلاد، وبث بعدها التلفزيون الرسمي لقطر مشاهد السلام صورة فقط بدون صوت. وفي أعقاب انقلاب الابن انتشرت الكتابات في شوارع الدوحة، واصفين الأمير الجديد ومن معه ب (خيانة الوطن والأمير)، وكانت تحمل غالبية الكتابات عبارة (خليفة أميرنا إلى الأبد)، وأصدرت وقتها والدة الابن المنقلب بيانا من إقامتها الجديدة في أبو ظبي تتبرأ فيه من حمد وولديها عبدالله ومحمد. وفي بدايات عهد انقلاب الابن، أجرى نظامه محاكم تفتيش ومحاسبة على النوايا، وزج عدد كبير من المتعاطفين مع والده، وبدأت فصول مأساوية وانتهاكات جسيمة بحق أسر عريقة قطرية، إذ جرد آلاف منهم من جنسية موطنهم، وأبعدهم خارج الحدود. ومع الذكرى ال 21 من انقلاب «الابن العاق» على والده أمير قطر السابق، لم يكن حال البلاد أفضل من السابق، فقد ضاق جيرانها بمؤامرة النظام القطري، ومحاولته المستميتة لإغراق المنطقة في وحل الفوضى والانقسامات، وقطعت ثلاث دول خليجية العلاقات الدبلوماسية مع دوحة «حمد وابنه تميم»، في إجراءات هي الأولى من نوعها في تاريخ «دول مجلس التعاون الخليجي»، فصبر «الأشقاء نفد» من سياسات العقدين الضائعة. وينتظر الخليجيون من نظام الأمير تميم أن يخرج ببلاده من عزلتها وأن تعود للانسجام مع عمقها الإستراتيجي، فتركة «حمد المنقلب» ثقيلة كما يراها مراقبون غربيون، بيد أن الجيران الخليجيين ينتظرون أفعالاً وموافقة على مطالبهم التي تسلمتها الدوحة أخيراً من الوسيط الكويتي.