يكثر هذه الأيام حديث الناس متباهين، بأننا بتنا قريبين من دخول عالم الثقافة من أوسع أبوابه، فنحن سنشهد قريبا إنشاء المسارح والسينما والأوبرا بما يجعلنا لا نختلف ولا نتخلف عن الآخرين في وجوه الثقافة المتاحة! أكاد أشك إن كان كثير من المتباهين والفرحين بمقدم الأوبرا يعرفون معناها، ولعلهم وجدوا غيرهم يطالبون بإنشاء دار أوبرا على اعتبار أنها أحد عناصر الثقافة، فصاروا يرددون معهم ذلك المطلب، مقتنعين في أعماقهم أن ترديده إحدى سمات المثقف! إني شخصيا لست ضد إنشاء دار ثقافية ضخمة، تماثل في أغراضها دار الأوبرا فتضم مسارح متعددة ومعارض تشكيلية وتؤدى فيها أنواع من الفنون المختلفة، لكني لم أستسغ مطلقا هذا الانجراف نحو التباهي بإنشاء دار (أوبرا)، كما لو أن الأوبرا هي المفتاح الأوحد للولوج إلى عالم الثقافة العريض! الأوبرا أحد أشكال الفنون البعيدة عنا للغاية، فهي بمعناها الواسع تمثل شكلا من أشكال الأداء المسرحي الغنائي الذي أحيانا تمتزج فيه فنون الشعر والتمثيل والباليه والغناء والموسيقى، التي تؤدى وفق ما يتمثل في الفن الكلاسيكي الغربي، لذا لم أجده أمرا يستحق الزهو والتباهي أن سيكون عندنا أوبرا! فضلا عن أني لا أظن أن بيننا من يتذوق هذا النوع من الفن، فكم هم الذين إذا سافروا للغرب حرصوا على حضور حفلات أوبرالية؟ عدا قلة هم في حكم النوادر، فما سبب هذا التباهي؟ إني لم أجد له تفسيرا سوى أن يكون التعلق بأذيال الثقافة الغربية! وهو في ظني يعبر بوضوح عما نعيشه من خواء ثقافي يجعلنا لا نعرف شكلا للثقافة سوى أن تكون متطابقة مع الرموز الثقافية التي صنعها غيرنا. إن كانت الأوبرا رمزا بارزا في الثقافة الغربية الكلاسيكية، هل من الضروري أن تكون أيضا من رموز الثقافة العربية؟ أين الأصالة الفنية؟ أين الإبداع المحلي؟ أين الاستقلالية في التعبير الفني؟ لم لا يكون للثقافة العربية رموزها الفنية والثقافية المستقلة، المستمدة من التراث والهوية العربية، خاصة أننا لسنا متطفلين على الحضارة والفن، فتراثنا العربي زاخر بأنواع متعددة من الفنون التي يمكن أن نبني عليها وأن نطورها. إننا لسنا في حاجة مطلقا أن يقال إن لدينا (أوبرا)، كي ندخل عالم الثقافة ونعد من المثقفين، ما نحن في حاجة إليه، شحذ قدراتنا الإبداعية لنقدم فنونا مبتكرة تتجلى فيها الأصالة وتعكس ذاتنا المستقلة، فذاك هو ما يحقق لنا التقدم الثقافي والفني ويجعلنا قادرين على أن نحتل مكانا بارزا بين الأمم القائدة للثقافة والفكر. [email protected]