مجددا في لقاء تلفزيوني لوسيلة إعلام أجنبية مع بشار الأسد جدد إنكاره اقتراف طائرات نظامه مجزرة بالسلاح الكيماوي في خان شيخون كما سبق، وأنكر ما اقترفته قواته والقوات المتحالفة معه من مجازر وفظاعات مروعة، وكرر زعمه أن كل صورها هي عبارة عن تمثيل ومكياج أفلام! وهو أمر يجعل المتابع يوقن أن الوضع يتطلب محللا نفسيا وليس محللا سياسيا، لأنه لا يوجد منطق سياسي من أي نوع يمكن به فهم مثل هذا الموقف الذي لا يكاد يصدق، وبالفعل إنكار الحقائق الدامغة له تفسير في علم النفس الذي رصد الحيل التي يتحايل بها «غرور الأنا» الغرائزي اللاواعي على ضميره الأخلاقي للتهرب من الإقرار بأنه وقع في ما يمس تصوره الطوباوي المثالي الكاذب عن نفسه «الأنا» سواء أكانت الأنا الفردية أو الجماعية، ومن تلك الحيل؛ «الإنكار، النكران-Denial» حيث وببساطة يقوم الشخص بفبركة تبريرات تخالف الواقع والحقائق والأدلة الدامغة لينفي صحة اقترافه لأمر منحط معيب أو ينكر معرفته به، وبهذا يمكنه اقتراف أقصى أفعال الانحطاط الأخلاقي دون أن يشعر بأنه منحط لمجرد أنه ينكر بالعلن مسؤوليته عنها وينسبها لغيره، أو يحاول تحويل الأنظار عنها بالتذكير بجرائم اقترفها غيره، أو ببساطة ينكر وقوعها، وهذا الكذب الفج الصادم لا يمكن أن يقترفه إلا من لديه غفلة وعي مطبقة تجعله غافلا بالكامل عن إدراك حقيقته والشعور بما هو واقع فيه من تناقضات وباطل وكذب وتزييف وقح للحقائق واستحضار كم يبدو بهذا سفيها أمام الناس، وهذا معنى الحديث الصحيح (يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجذع في عين نفسه). ومن أمثلة النكران؛ نظريات المؤامرة المفتقرة لأي دليل، التي يفبركها البعض للتهرب من الاعتراف بمسؤولية قومه عن عمليات إرهابية ذات طبيعة مخزية، وأيضا رفض الاعتراف بوجود ظواهر سلبية بالمجتمع مهما أثبتتها الإحصائيات والدراسات والوقائع اليومية وكان ذات من ينكرها متورطا بها، ويكرر زعم المثالية الطوباوية المطلقة للأنا الفردية والجماعية أي لنفسه وقومه، وكلما ارتفع مستوى التطور الثقافي كلما صارت الثقافة العامة ثقافة واعية بالذات ونقدية وتجبر الفرد والجماعة على الاعتراف بأخطائهم وبالتالي إصلاحها ومعالجة الأسباب التي أدت إليها ولهذا هي ثقافة تصحيح ذاتي مستمر، بينما الثقافات غير المتطورة تبقى ثقافة تسودها بجاحة ومكابرة عنتريات مزاعم المثالية المطلقة ورفض الاعتراف بالخطأ والقصور مهما كان فاضحا ولهذا لا يصطلح فيها خطأ ولا قصور مهما صب عليه من أنظار ومال وشعارات. [email protected]