أيهما يكذب أكثر، الرجل أم المرأة؟ حين تسأل الرجال، يرد أكثرهم بأن المرأة تكذب أكثر من الرجل، وحين تسأل النساء يجبنك بأن الرجال يكذبون أكثر من النساء! أما حين تجري دراسة استقصائية لتستدل على أي الجنسين يكذب أكثر، فإنك قد تجد أن الأمر لا علاقة له بالجنس قدر ما أنه متعلق بمستوى ارتباط كل من الرجل والمرأة بالقيم الأخلاقية المثلى. يظهر الكذب في حياة الناس كما لو أنه جزء من فطرتهم البشرية، يندر إن لم نقل يستحيل أن تجد أحدا لا يكذب، فالناس بصورة عامة، جميعهم يكذبون، حتى وإن رفض بعضهم هذا القول وأصر على أنه لا يكذب، الفرق الوحيد هو أن الناس يتفاوتون فيما بينهم في كمية الكذب وحجمه وعدد مراته. بعض الناس يقل كثيرا عدد مرات كذبه، فيوصف بالصادق، وبعضهم يجري الكذب على لسانه كالماء فيشتهر بين الناس بالكذاب. أكثر الذين يكذبون لا يسمون كذبهم كذبا، وإنما يلبسونه صفات أخرى مختلفة، فالروائي والقاص والشاعر مثلا يكذبون، لكنهم يسمون كذبهم إبداعا، والسياسيون يكذبون، لكنهم يسمون كذبهم دبلوماسية، والأزواج يكذبون على بعضهم بعضا، لكنهم يسمون كذبهم تسليكا للحياة الزوجية، والأصدقاء يكذبون على بعضهم، لكنهم يسمون كذبهم مجاملة، والتجار يكذبون في إعلاناتهم، لكنهم يسمون كذبهم تسويقا، والإعلام يكذب على الناس، لكنه يسمي كذبه خدمة للمصلحة العامة، وحتى في التعليم يكذبون على الطلاب بإخفاء بعض الحقائق عنهم، لكنهم يسمون كذبهم حماية للأخلاق. الكذب يملأ حياة الناس لا يكاد يخلو منه يوم من أيامهم، حتى ليخيل إليك أن الكذب من الحاجات الأساسية في الحياة، إلا أنه مع ذلك، رغم حاجة الناس إليه، ظل محتفظا بالصورة الكريهة التي يحملها له الناس في أذهانهم. موقف فيه كثير من التناقض، كل الناس يذمون الكذب ويرون فيه رذيلة، وكلهم يمارسونه يوميا غير راغبين في التوقف عنه!! الناس من طبعهم أنهم يغفرون لأنفسهم متى كذبوا على غيرهم، يرون في كذبهم ضرورة تقتضيها المصلحة، لكنهم متى كانوا هم المكذوب عليهم، سرعان ما يتبخر من صدورهم ذلك القبول الذي كانوا يجدونه للكذب، فيحل محله الحنق والغيظ ممن كذب عليهم! الكذب يكون رذيلة متى كان واقعا علينا، وضرورة تقتضيها المصلحة متى كان صادرا منا واقعا على الآخر! ومع هذا، ترى ما الذي سيحدث لو اختفى الكذب من حياتنا؟ هل ستكون الحياة أفضل؟ أم أننا سنصدم بكثير من الحقائق التي يسوؤنا معرفتها؟