من منا لم يشتق يوما للزمن الجميل الذي وبالرغم من اختلاف الأفكار حينها واختلاف الشخصيات واختلاف المواقف فيه لم يكن يحسم خلافاته بالعنف أو الإقصاء والإلغاء أو التكفير أو التجريم والتحريم! كان زمنا مدنيا بامتياز بطابع وروح وثقافة مدنية تحكم المجتمع وهي الحاكمة لحياتنا اليومية آنذاك، وهكذا نشأنا في زمن مدني وسطي لا غلوٌ فيه ولا تطرف! لا نزعم أنه زمن بلا أخطاء فلم نكن نعيش في «المدينة الفاضلة» التي تخيلها أفلاطون ولم تتحقق، لكنه كان زمنا جميلا في علاقاته البسيطة المليئة بالمحبة والأخوة القادرة على تذويب العصبية والتعصب، مما خفف الى حد بعيد من حالة الاكتئاب أو الاضطراب النفسي الذي يخلّف بداخل الروح شحنات من التوتر قد تعبث بكل جميل صافٍ ونقي! كنا ذاك الزمان قادرين على صناعة الفرح والبهجة من أبسط الأشياء ومن أقلها كلفة وأكثرها تواضعا، لأن الروح العامة للمجتمع حينها كان لديها استعداد داخلي للفرح والابتسام والانتشاء بكل ما هو مبهج ومباح سواء كان في الألعاب الشعبية أو القصائد الغزلية البريئة، نفرح أنفسنا وقتها بكل شيء وبأي شيء وبأقل شيء، فقط لأننا كنا نحمل روحا نظيفة بداخلنا قادرة على صياغة الفرح بلا عُقد وبلا خوف!. والآن فماذا يمنعنا كمجتمع وأفراد بأن نجعل من زمننا الحالي هذا ماضيا جميلا لمستقبل أجمل بكل تفاصيله الإيجايبة من تراحم اجتماعي مليء بالحب والرحمة والأخوة والاحترام المتبادل، بعيدا كل البعد عن العصبية البغيضة وعن الإقصاء وإلغاء «الآخر» التي قد تكون لأسباب ليس لها أي معنى من الأساس! وهذا الأمر لن يتم إلا من خلال محاربة كل ما قد يفسد صفو مجتمعاتنا المختلفة والمتنوعة بعاداتها وتقاليدها وتفاصيلها، والعمل بقلب واحد لنبذ الخلافات والمشكلات الداخلية التي لا أعتقد بأنها ستمنعنا أو تحرمنا من «الحياة» إلا إن سمحنا لها نحن فعلا «كمجتمع وأفراد» بذلك !!. الجمال الحقيقي ليس في «الأشياء» ولا في «الزمن»، إنما هو موجود في داخلنا نحن «البشر».. فهل وصلت الرسالة؟