إن العنوان الأكبر لوجودنا المعاصر هو التحرّر، وتحديداً التحرّر الهووي، ولكن ماذا حققنا منه؟ أليست الهوية نفسها جهازاً من أجهزة الحداثة، لا بل من أجهزة الدولة ؟ إنّ أعمق سوء فهم أقمناه دون أنفسنا هو اعتقادنا في أصالة الموقف الهووي كتعبير وحيد عن ذواتنا، والحال أن الحداثة، وليس الأديان، هي التي أخترعت فكرة الهوية، ومن ثمّ فإن كل من يقاوم الحداثة على أساس هووي يتصرّف في أفقها دون أي قدرة على الإفلات من منطقها. في كل ركن من أنفسنا الحالية، تبرز الهوية كواقعة ثقافية لا سند لها سوى إرادة الهوية، لكن إرادة الهوية وحدها لا تكفي لتحرير الإنسان من تصوراته السقيمة عن نفسه. بل إن الإجابة الهووية عن السؤال: "من نحن؟" قد انقلبت إلى عائق أخلاقي أمام التجربة الحرة لأنفسنا. إن تحرير الإنسان عندنا لم يبدأ بعد! هل الحل في ثقافة الحوار؟ ولكن إلى أي مدى يمكن الدفاع عن حوار بين الهويات؟ إن حوار الهويات غير ممكن. ذلك أن الأفق الوحيد للحوار هو الحوار بين الذوات الحرة.. تلك بعض أفكار هذا الكتاب.