كشفت خطة تطوير المشاعر المقدسة الواردة في المخطط الشامل لمكة المكرمة للثلاثين عاما المقبلة، أن عدد الحجاج الراغبين في أداء فريضة الحج في المستقبل القريب قد يصل إلى القدرة الاستيعابية القصوى للمشاعر المقدسة، التي تبلغ حاليا نحو 2.8 مليون حاج، مشيرة إلى أنها سترتفع وفقا لرؤية المخطط وستصل في عام 2040 إلى أربعة ملايين حاج، وهي المدة التي حدد فيها تنفيذ المخطط بشكل كلي. ووفقا للمخطط الشامل تمثل البرمجة المكانية الذكية المطلوبة لاستيعابية المشاعر المقدسة تحديا فريدا من نوعه، إذ إنها يجب أن تستوعب تدفق ملايين الحجاج القادمين إليها. ويأتي ضمن أبرز القيود على إمكانية نجاح مثل ذلك التخطيط وتلك البرمجة، أن مساحة كل من المشاعر المقدسة محدودة ضمن الحدود الشرعية لكل منها، وأن الجميع يؤدون مناسك محددة في مواعيد محددة زمنيا. ويضاف إلى هذه القيود حقيقة أن الحجاج يتحركون معا كحشود كبيرة من مكان أحد المناسك إلى مكان منسك آخر، الأمر الذي يوجد تحديا لوجستيا لتوفير وتنسيق وسائل النقل والإمداد والإدارة الملائمة. وبدراسة الإشغالات في المساحات المطورة في المشاعر المقدسة، يتضح التالي: في مشعر منى تشغل الطرق 28.7 في المائة من مساحة المناطق المنبسطة القابلة للتطوير، 57.6 في المائة لصالح خيام الحجاج، وتشغل استخدامات الأراضي الأخرى النسبة المتبقية والمقدرة ب 13.7 في المائة، وأما في مشعر مزدلفة فإن 23.9 في المائة من المساحات المنبسطة القابلة للتطوير تشغلها الطرق، 13.3 في المائة من المساحة تشغلها الخيام الممتدة من مشعر منى، 49.7 من المساحة تأتي كمناطق انتظار، وأما النسبة المتبقية والمقدرة بنحو 13.1 في المائة تشغلها استخدامات الأراضي المختلفة. وعن مشعر عرفات، فإن الطرق تشغل من مساحته المنبسطة القابلة للتطوير نحو 13.6 في المائة، وتشغل المساحات التي خصصت للحجاج نحو 69.4 في المائة، فيما تشغل استخدامات الأراضي المختلفة النسبة المتبقية من المشعر المقدرة بنحو 17 في المائة، إلا أنه أخيرا تمت تسوية قمم الجبال الصغيرة لجعلها سهلة النفاذ بالنسبة للحجاج وزيادة حجم الأرض القابلة للتطوير بمعدل 98 هكتار، وهو الأمر الذي من شأنه ألا يترك أي أرض داخل الحدود المقدسة غير قابلة للتطوير. ويرى الخبراء الذين عملوا على إعداد دراسة المخطط الشامل لمكة المكرمة، أن المعضلة الرئيسة التي تواجه نظام النقل في المشاعر، هي الاكتظاظ على طول طرق النقل بين الأماكن المقدسة الذي ازداد على مر العقود الأخيرة، والناتج عن التزايد المضطرد في أعداد الحجاج، حيث تفاقم الوضع في مشعر منى بحكم قيود المساحات المتاحة، مشيرين بشكل عام إلى أن ذلك الاكتظاظ يعود إلى التفاعل بين الحافلات والمركبات الخاصة وحركات المشاة على طول ممر المشاعر، وهو الأمر الذي يجعل من سلامة المشاة هاجسا كبيرا، بسبب الاكتظاظ والدمج غير المنظم للمشاة مع حركة المركبات، خاصة أن طبيعة وكثافة أحداث الحج والعمرة تفرض مخاطر كبيرة تتعلق بالسلامة والأمن التي تتطلب أساليب ذكية لإدارة الحشود، التي ينبغي أيضا أن تدعم أداء الخدمات اليومية للحجاج في جوانب عديدة منها: خدمات الطوارئ، توصيل الطعام ونقل المخلفات. ووفقا للمخطط الشامل قال الخبراء: "إن منظومة النقل المطلوبة ينبغي أن تتضمن توفير ممر متعدد المسارات على هيئة نفق يصل المشاعر المقدسة بعضها ببعض، ما يتجاوز مصاعب وتعقيدات نقل الطوارئ ونقل المخلفات وتوصيل الوجبات وغير ذلك، وهو ما يشكل حاليا تحديا هائلا تعجز أرقى تنظيمات النقل عن التعامل معه بما يتطلبه من انسيابية وسرعة وكفاءة وسلامة في جوانب الأداء، كما أن شبكة الطرق الحالية غير مكتملة، الأمر الذي يؤدي إلى ربط ضعيف بين مختلف أماكن المدينة، ويؤدي في النهاية إلى مستويات منخفضة من الكفاءة التشغيلية، وأيضا هناك نظام الحركة في المشاعر المقدسة معقد، لأنه يجمع أداء مناسك الحج في الوقت الذي يندمج مع شبكة النقل الأوسع، حيث إن هناك قيودا أمنية مرتبطة بالمناسك، ولا شك أن توفير الطريق -النفق- الرابط بين المشاعر سيتجاوز بالخدمات التشغيلية لمنظومة النقل تعقيدات النقل فيما فوق سطح الأرض، ولا سيما للخدمات التي تتطلب سرعة التنفيذ مثل الطوارئ والأمن والدفاع المدني ونقل الغذاء والمخلفات". وأشار الخبراء ضمن سياق إعدادهم للمخطط، إلى أن المساحة في المشاعر المقدسة محكومة بالحدود الطبوغرافية والدينية والإدارية، ما يجعل من المعيار الأساسي لحج يسوده الأمن والخشوع يرتبط بشكل كبير بموازنة عدد الحجاج الذين يمكنهم شغل المساحة المتاحة في آن واحد، وفي أوقات الذروة على وجه الخصوص، وذلك في ظل توفر الحد الأدنى المناسب والآمن من المساحة اللازمة لكل حاج، لتسهيل حركته وصلاته وخشوعه ونومه. وفي ظل تحليلات الخطة التطويرية للمشاعر المقدسة، لفت الخبراء، إلى أن الحد الاستيعابي الأقصى لمشعر عرفات هو أربعة ملايين حاج بمعيار مساحي يبلغ 3.6 متر مربع لكل شخص، وفيما يخص مشعر منى، فإن العلاقة بين مستخدمي الإقامة الطويلة ومستخدمي الإقامة القصيرة والقيود الطبوغرافية لوادي منى جعلت الحسابات المكانية والمؤقتة أكثر تعقيدا، مفيدين بأن الطبيعة الحيوية لعدد الحجاج في منى، يمكن شغل نفس الحد البالغ أربعة ملايين حاج بمزيج من الخيام ومناطق مدة الإقامة القصيرة والاستصلاح المقترح في الخطة لسفوح الجبال، خاصة أن رقم الذروة هذا أيضا هو التوقع الرقمي لأعداد الحجاج النظاميين بحلول سنة هدف الخطة، وهو العام 2040، حيث تساوي الطاقة الاستيعابية البالغة أربعة ملايين في المشاعر إجمالي الطاقة الاستيعابية للمسجد الحرام بمساحته المدعومة بالساحات العامة المحيطة به والساحات العامة والفرعية الموصى بها في المخطط الشامل، كما أن الرقم أيضا يمثل حد الطاقة الاستيعابية القصوى لنظام النقل العام والمشاة بين الأماكن المقدسة في المشاعر وفق التركيبات المقترحة. وقال الخبراء: "إن زيادة الطاقة الاستيعابية إلى ما يزيد عن مليون حاج إلى سنة الهدف، سيؤثر سلبا في قدرة الحجاج على أداء مناسك الحج في سلامة وخشوع وطمأنينة، كما أن ذلك سيعمل على الحد من القدرة على الاستجابة بفعالية لمتطلبات تدخل خدمات الطوارئ وعلى توفير إدارة حشود مناسبة في حالة الحوادث غير المتوقعة، كما سيعمل الاكتظاظ على وضع ضغط غير لازم على المساحات والأنظمة والبنية التحتية اللازمة لفعالية حركة الحجاج وإقامتهم بسلامة"، مردفين: "في كل الأحوال، فإننا نوصي بالتخطيط الدائم لاستيعاب 10 في المائة كزيادة على هذا الرقم الأعلى من الحجاج، ليس لزيادة أعداد الحجاج، ولكن لأغراض تتعلق بالاستجابة لمتطلبات التعامل مع الطوارئ الكبرى لا سمح الله، إذ إن محدودية الزمان والمكان والمناسك في الحج تحتم الحاجة إلى رسم استراتيجية عليا يتم من خلالها تنظيم وإدارة تنظيم أعداد الحجاج النظاميين القادمين من داخل وخارج البلاد والحد التام من الحجاج غير النظاميين". وأبان الخبراء الذين قاموا على إعداد المخطط الشامل، أن بموجب السيناريو المقيد بمساحة مشعر منى، ستبقى 45 ألف خيمة توفر الإقامة ل 1.5 مليون من الحجاج، وأن الخطة الشاملة توصي بإنشاء مزيج من المباني الخاصة بالموقع لزيادة أماكن الإقامة إلى 2.144 مليون لحجاج المبيت "لفترات طويلة" في منى، ويستطيع جزء من الحجاج استخدام منشآت "الإقامة القصيرة" المقترحة في الخطة التي يمكن تنفيذها على المدى القصير، لافتين إلى أن ما يصل إلى 40 في المائة من الحجاج يفضلون عدم البقاء في الخيام والبقاء خارج الموقع في الفنادق، وأماكن الإقامة الفصلية أو في منازلهم الخاصة. وتابع الخبراء في توضيحاتهم: "يمكن أن يتم توفير مساحة كريمة لهذه المجموعة من الحجاج للصلاة بمساحة أرض أصغر، التي قد يتم تنظيمها لضمان تدفق الحجاج، وسيتم توفير منشآت الإقامة القصيرة جنبا إلى جنب مع التحسينات الأخرى على الخيام والهياكل الدائمة، ويتصور بمفهوم الخطة الشاملة إقامة منطقة قصيرة ذات مساحه تقارب 384 ألف متر مربع باستخدامات مناسبة للجلوس وللصلاة". وأكدت الخطة التطويرية، على أن الخبراء اطلعوا على عدد من النماذج المختلفة للبناء، وتمت التوصية بالبناء الشريطي. وتُوصي الخطة الشاملة بتحسين وتنويع الترابط بين المنطقة المركزية والمشاعر المقدسة، لإعطاء الحجاج خيارا أكبر في المرور من خلال طريق الأربعة كيلومترات العابر لأنفاق كدى إلى مشعر منى، وعلى المدى القصير يمكن تحسين طريق الستة كيلومترات على طول طريق المنحنى عن طريق إنشاء خط مترو مرتفع جديد بمسارات مشي جانبية للمشاة إلى الأسفل منه، وبشكل تدريجي وبإعادة تطوير المواقع على طول هذا الطريق عقب توصيات التصميم الحضري والتوجيهات المعمارية، سيصبح هذا المكان جذابا ومفعما بالحياة خلال كل من أوقات الذروة وخلال بقية أيام العام. وأوضحت الخطة، أنه سيتم إنشاء المباني على السفوح الجبلية ذات نسب الميول المناسبة، التي يمكن ربطها مع سكة حديد المشاعر الحضرية، وذلك بوصفه نظام بناء "متكرر" فيمكن بناؤه على مراحل، إذ يستوعب المجموع النهائي ما يصل إلى 400 ألف من الحجاج، كما يوفر البناء الشريطي أيضا طريقا طوليا مستمرا يكمل ممر المشاعر الكبير، بقدرة استيعابية تبلغ 120 ألفا من الحجاج في كل اتجاه في كل ساعة. وأبانت الخطة، أن تصميم البنية الشريطية سيعمل على توفير حماية من حرارة الطقس للحجاج في المنطقة التي تقع على مستوى الأرض، حيث يرتفع المبنى على دعائم، ويعمل عمود المحور الفقري الحضري على ربط الجهة الغربية من المنطقة المركزية بالمشاعر المقدسة على طول حدود مشعر منى نزولا حتى مشعر عرفات، كما يربط أيضا المنطقة المركزية شمالا بمسجد عائشة، وشرقا بطريق المنحنى وجبل النور، ويشمل ست منشآت للنقل ومساحات مفتوحة موجهة للمشاة تربط مناطق الفنادق والأماكن الثقافية، ومراكز التطوير والممرات التجارية. وأفادت الخطة، بأنه سيتم التخطيط لممر المشاعر بنظام نقل حديث وشبكة واسعة من ممرات المشاة، التي ستعمل مجموعة من مختلف أنماط النقل على منح الحجاج تجارب مختلفة تتراوح من ممشى المشاة التقليدي وحتى وسائل النقل العامة الحديثة كالمترو والحافلات المكوكية، حيث سيوفر ممر المشاة المحدد بشكل واضح والمسمى بممر المشاعر الكبير، تحسينات أساسية على مسير الحجاج في عرفات ومزدلفة وما بينهما.