إن الشعور بالعداوة، الكراهية، الاضطهاد، لا يوجد معلقاً في الهواء وحده.. بل هناك شعور آخر يواجهه هو الشعور ب«المحبة»، كلاهما مرآة للمعنى ذاته. فمن يكره الطائفة المغايرة لطائفته في المذهب يفعل ذلك بدافع المحبة الشديدة والتعصب لطائفته، أو هكذا يتصور. ومن يشترك في حرب ضد بلد آخر يذهب متحمساً بدافع من الحفاظ على كرامة وكبرياء بلده. وقد لا يدرك معنى المحبة إلا من عانى الظلم والكراهية والاضطهاد، لذلك ليس غريباً أن يقول المثل: «ما محبة إلا بعد عداوة». وعلى المستوى الجمعي، كما الفردي، هناك مجالات كثيرة تنقل مستويات المنافسة من خانة الكراهية إلى بستان المحبة، مثل الألعاب الرياضية، المهرجانات الفنية التي تنظمها الحكومات لفئات المجتمع المختلفة. فمن المفيد دائماً أن نبحث عن نافذة لامتصاص الطاقة العدوانية وتسريبها، وتوفير بدائل ووسائل للتعبير السلمي عن الاحتياجات والرغبات، وحتى عن العداوات، ما يشكل حالة صحية للتناغم والانسجام بين فئات المجتمع، خصوصا أن الكثير من المشاعر العدائية تكون نتيجة أفكار نمطية وتصورات مسبقة مغلوطة، بسبب سياسة العزل السياسي والاجتماعي بين الفئات. وبصفة عامة، لا يبدأ الإنسان إدراك فداحة الشعور بالعداوة إلا عبر الاعتراف به، وبعدها نصبح مطالبين كأفراد وجماعات بتأمل مصادر تلك العداوة وأسبابها وتحليلها ومراجعتها. وساعتها سوف ندرك أن النظرة الطيبة إلى الآخر، تعني ضمنياً أننا نعطيه الفرصة كي ينظر إلينا نظرة طيبة مماثلة، أما العدوانية ضد الآخر فهي عدوانية معكوسة ضد الذات، مثلما نشتم شخصاً بأبويه، كأننا نعطيه الحق ضمناً في شتم آبائنا! وإذا كانت العدوانية يحفزها الشعور بالتهديد والعجز عن تلبية احتياجات مختلفة، فإن المحبة أيضاً كفيلة بأن تحقق الأهداف ذاتها، فهي تضمن لنا الشعور بالأمان، وتقاسم الثروة والنفوذ مع الجماعات الأخرى بمنطق التكامل والتكافل والتراضي وليس بمنطق السيف والغلبة للأقوى. ولن يشعر أي فرد أو جماعة بعظمة «المحبة» إلا إذا اجتهدنا أفراداً وجماعات وحكومات في القضاء على كل أشكال التمييز والتفرقة والعنصرية المتفشية في مجتمعاتنا، والتي لا تعبر فقط عن عدم نضج إنساني، بل عن عدم احترام لأبسط القيم الدينية التي نظل نرددها ليل نهار!