عنوان هذا المقال جزءٌ من تصريح للفلكي الدكتور صالح العجيري، نشر في صحيفة ''الوطن'' الكويتية في شباط (فبراير) من العام الماضي، وفيه تحدث عن الذين يمارسون الدجل والشعوذة والتنجيم، وقال: خلال ال 40 عاما الماضية طلقنا علم التنجيم الذي يقوم على دجالين ومشعوذين، لكن بعدما طلع هذا التنجيم من الباب، دخل علينا مرة أخرى من النافذة، عن طريق وسائل الإعلام المختلفة . وأضاف أن المنجمين يتنبأون بفيضانات وثورات وكوارث، وهي أمور تحدث سنوياً في أي بقعة من الأرض. وقال: ''لو كانوا يعلمون الغيب لعرفوا طريق المال، وملأوا به جيوبهم، بدلا من أن يطلبوه منا ''. ما ذكره الدكتور العجيري أمرٌ مشاهد، وبشكل شبه يومي، فهناك قنوات فضائية أصبح هدفها الأول والأخير البحث عن المال، حتى لو كان ذلك عن طريق الترويج للسحر والشعوذة، ولهذا فهي تخصص أوقاتا طويلة من ساعات بثها، بعضها بشكل علني وواضح عبر تخصيص برامج أو إجراء مقابلات مع من يطلق عليهم من باب التلطيف قراء الطالع، وأحيانا تحت برامج مخصصة لتفسير الأحلام، وهي برامج غزت غالبية القنوات الفضائية، واختلط فيها تفسير الأحلام بأمور أخرى، هي إلى التنجيم والشعوذة أقرب. هذه البرامج أصبحت محل متابعة كبيرة من المتلقين، خاصة النساء اللاتي يتأثر كثير منهن بما يسمعنه عبر هذه البرامج، خاصة أن ما يطرحه بعض مفسري الأحلام يتجاوز حدود التفسير إلى أمور تدخل ضمن الشعوذة، وهذا الوضع إضافة إلى تأثيره العقدي السيئ، أصبح سبب شك ووسواس لدى كثير من المتابعين، خاصة حينما يستفسر مفسر الأحلام عن امرأة كانت تجلس إلى جوار المتصلة، في حفل أو مناسبة، وأنه ينبغي على المتصلة أن تأخذ شيئا من أثرها حماية لنفسها منها. ما يُعرض من برامج تدخل في هذا الإطار يُساهم في تغييب الوعي، ويجعل الإنسان يُعلق ما يصيبه من أمراض أو معاناة، بسبب مشاكل الحياة، بأمور غيبية لا يمكن التحقق من صحتها، بل قد يدفعه ذلك إلى اليأس، والهروب من محيطه الاجتماعي، بعد أن تم تصوير هذا المحيط بأنه سيئ، يتحين أفراده أية فرصة للإساءة إليه. إن الإقبال الشديد على هذه البرامج، بحيث أصبح لكل قناة برنامجها الخاص، دليلٌ على ما يعيشه المجتمع العربي من أزمة، تتمثل في السعي وراء الغموض والغيبيات، بدلا من مواجهة الواقع والبحث عن حل للمشاكل عبر الطرق الشرعية المعروفة، والغريب أن تجد إنساناً يصف ما يقدم في هذه البرامج بأنه غير منطقي ويحمل من الخداع الشيء الكثير، ثم تسمعه يروج لما يقوله مقدمو هذه البرامج.a علماء النفس يعللون ظاهرة التعلق بهذه البرامج بأنها هروبٌ من الواقع، وتغييب للعقل مثلما يفعل مدمن المخدرات، كما يرون أن المرأة أكثر إقبالا على مشاهدة هذه البرامج، لأنها بسبب تكوينها النفسي تتأثر أكثر مما يتأثر الرجل، ولهذا فهي تميل إلى الفضفضة، وهذه البرامج تشكل مجالا واسعاً للفضفضة. الاقتصادية.