انطلق مهرجان الجنادرية في عام 1405ه، ليؤكد على لُحمة هذا الوطن المعطاء، في محاولة للتأكيد على أن المملكة العربية السعودية تعتني بموروثها المتنوع من جنوبها إلى شمالها، فكان القصد من بناء القرية الشعبية لتكون أنموذجاً للبيئة القديمة للمجتمع السعودي. ويتوافد على الجنادرية عشرات الآلاف من المواطنين والمقيمين، ليتعرفوا على التراث السعودي بأنواعه كافة في هذه القرية، وللتعرف على الفولكلور الشعبي منه (السامري، الحوطي، الليوة، المجرور، المزمار، الخماري، الحسباني، العزاوي)، وجميعها رقصات شعبية عرفت بأسماء مناطقها. كما كرس المهرجان عبر هذه السنوات جهوده كافة لتشجيع واكتشاف التراث الشعبي، وبلورته وتوظيفه في أعمال أدبية وفنية لاقت صدى وترحيباً بين المواطنين والمقيمين. كما تميز المهرجان من خلال رؤية القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز في التقريب بين الشعوب، من خلال الندوات الفكرية التي قدمها مفكرون عرب كانوا يحلون ضيوفاً على المهرجان. وتعمق مهرجان الجنادرية ليصبح احتفالاً ينتظره المثقف قبل المواطن، ففي المهرجان يلتقى المثقفون من مناطق المملكة كلها بنظرائهم العرب؛ لتبادل الأفكار، وكانت النتائج الملموسة هي تغيير وجهة نظر بعض من هؤلاء المثقفين الذين لم يكونوا يعرفون المملكة من الداخل، بل من خلال وسائل الإعلام فقط، أو كانت لديهم أفكاراً نمطية عن المملكة وثقافتها. وبهذا جسد المهرجان رؤية التلاحم بين الشعوب، والتلاقح الفكري، من خلال مبادرة القائمين على المهرجان بتوزيع الفعاليات على مناطق المملكة، وعدم جعلها في الرياض فقط، فأصبح الشعراء يتنقلون بين مدن المملكة مشاركين في أمسيات شعرية وفكرية، يقدمونها في تلك الأندية، كصورة للتبادل الحضاري والثقافي بين الأدباء السعوديين والعرب. وكان من حكمة خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز هذا العام أن ألغى أوبريت الجنادرية الذي بدأ في عام 1410ه، وكان شعاراً للجنادرية طيلة 22 عاماً ماضية. فالجنادرية إذاً، ليست مجرد مهرجان، وإنما ذات موقف حضاري إنساني متضامناً مع الشعوب، منفتحاً على الحضارات، مؤكداً على أن أصالة الإنسان تكمن في موروثه.