هل الوضع مستقر ومزدهر في ايران الى درجة تسمح للنظام القائم فيها باعطاء دروس في الوطنية والديموقراطية؟ ام ان الهدف الوحيد من هذه الدروس الاقرب الى المزايدات من اي شيء آخر هرب النظام من ازمته الداخلية التي تتلخص بعجزه عن ان يكون متصالحا مع المجتمع الايراني اوّلا واخيرا؟ صارت اللعبة الايرانية مكشوفة. انها مكشوفة اصلا، خصوصا بالنسبة الى دول الخليج الست التي يضمها مجلس التعاون. كانت هذه الدول تعي دائما خطورة النظام الايراني الحالي على المنطقة وذلك منذ العام 1979 حين قررت طهران، في المرحلة التي تلت اطاحة نظام الشاه، "تصدير الثورة". ما الذي لدى ايران تصدره الى جيرانها باستثناء استخدام الغرائز المذهبية والسلاح لاخضاع دول اخرى او اثارة القلاقل فيها او اقامة دويلات داخل الدول الاخرى. باسم "تصدير الثورة"، صارت هناك دويلة ايرانية في لبنان. وباسم "تصدير الثورة"، هناك مشروع دويلة ايرانية في اليمن على حدود السعودية. وباسم "تصدير الثورة"، ثمة محاولة للاستيلاء على الدولة في البحرين استكمالا لعملية وضع اليد على جزء من العراق واستكمال عملية تطويق السعودية. سبق للعراق ان قاوم "تصدير الثورة" ايام صدّام حسين الذي خاض مع ايران حربا استمرت ثماني سنوات لم يعرف يوما انه كان يجب الاّ يخوضها. ولكن ما العمل مع نظام عائلي- بعثي ذهب ضحية الشعارات التي رفعها ولعب، من حيث لا يدري، لعبة تصب في خدمة النظام الايراني الجديد. فعل ذلك عندما اندفعت القوات العراقية في العام 1980 اتجاه الاراضي الايرانية في وقت كان النظام الذي اقامه آية الله الخميني في حاجة ماسة الى لمّ الايرانيين حوله عبر استثارة الشعور الوطني، اي العصبية الفارسية التي تكن احتقارا لا مثيل له لكل عربي وكل ما هو عربي...
قدّم صدّام حسين، بسبب غبائه السياسي المعهود، افضل خدمة للايرانيين. لم يدرِ يوما انه وفّر شريان الحياة للنظام الجديد في طهران الذي كان في امسّ الحاجة الى العصبية الفارسية. كان صدّام يخطط لنهايته ونهاية نظامه بيديه بعدما عجز عن فهم لماذا "انتصر" في الحرب على ايران ومن مكّنه من تحقيق هذا "الانتصار" الذي تحقق في العام 1988. بعد ذلك، تولى بنفسه حفر القبر لنظامه عندما اقدم على مغامرته المجنونة المتمثلة في احتلال الكويت...
استهدف قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بمبادرة من الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، ايجاد مظلة للدول الست الاعضاء في المجلس تحميها من ايران والعراق في آن. كان ذلك قبل ثلاثين عاما عندما اجتمع زعماء الدول الست في ابو ظبي واعلنوا قيام المجلس. الآن، بعد ثلاثين عاما من انشاء المجلس، يتبين كم ان الحاجة اليه كبيرة، بل ملحّة. فالمجلس استطاع ان يكون تجمعا مسالما لا يستخدم انيابه الاّ عندما تدعو الحاجة الى ذلك. الدليل على ذلك، انه يكتفي، دوريا، بتأكيد موقفه المعروف والثابت من الاحتلال الايراني للجزر الاماراتية الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى. هذه الجزر احتلت في العام 1971 في ايام الشاه وتشكل مثلا صارخا على وجود سياسة ايرانية مستمرة تقوم على التوسع وانه لم يتغيّر شيء مع انتصار "الثورة الاسلامية" في العام 1979. احتل نظام الشاه الجزر ورفض التفاوض في شأنها. لا تزال "الجمهورية الاسلامية" تتبع السياسة نفسها. لم تحد عنها قيد أنملة. الفارق الاساسي بين نظام الشاه والنظام الحالي يكمن في استخدام الدين وسيلة للتوسع من جهة واثارة الغرائز داخل المجتمعات العربية من جهة اخرى.
ما فعله مجلس التعاون لدول الخليج العربية، عندما تدخل في البحرين بهدف وضع حدّ للتهديد الذي تتعرض له دولة عربية عبر "التدخل الايراني السافر" في شؤونها الداخلية، يعتبر دفاعا مشروعا عن النفس ليس الاّ. لماذا لم تعترض ايران في العام 1991 عندما تدخلت دول مجلس التعاون عسكريا الى جانب المجتمع الدولي، على رأسه الولاياتالمتحدة، اثر تعرّض الكويت لغزو عراقي؟ هل سكتت لانها كانت تعرف ان عدوها التاريخي، الذي اسمه صدّام حسين سيدفع ثمن مغامرته الكويتية؟ وقتذاك، عندما دعا صدّام حسين في رسالة الى الرئيس هاشمي رفسنجاني ايران الى الانضمام الى الانضمام اليه في مواجهة "الشيطان الاكبر"، كان رد رفسنجاني على المبعوثين العراقيين اللذين حملا الرسالة اليه وهما طارق عزيز والمرحوم برزان التكريتي:" سنترك لكم شرف مواجهة الشيطان الاكبر في الكويت وحدكم".
حسنا، اتخذت ايران موقفا عاقلا من حرب تحرير الكويت التي ارادها الكويتيون اوّلا وغطاها المجتمع الدولي تغطية كاملة عن طريق مجلس الامن. ولكن ماذا عن الحرب الاميركية على العراق في العام 2003؟ لماذا كانت ايران الدولة الوحيدة في المنطقة التي ايدت الاجتياح الاميركي للعراق وساندته ووفرت التسهيلات التي احتاجها الاميركيون في غزوتهم؟ ألم تكن القوات التي دخلت بغداد والمدن والمناطق العراقية الاخرى "قوات اجنبية"؟ لماذا الحملة الآن على دول مجلس التعاون بسبب موقفها الحكيم من البحرين؟ هل الموقف الايراني العدائي عائد الى الرغبة الخليجية في وأد الفتنة؟ هل من تفسير لهذا الموقف غير الرغبة من الاستفادة من كل ما من شأنه تفتيت المجتمعات العربية؟
اخيرا، استفاق الخليجيون. فاتهم انه كان عليهم ان يأخذوا موقفا واضحا وموحّدا من التدخل الايراني في الشؤون الداخلية للدول العربية بشكل باكر. فات السعودية وغيرها انه كانت هناك خطة ايرانية مبرمجة هدفها انهاء الوجود العربي في لبنان. هل هناك منْ يتذكّر منْ احرق السفارتين السعودية والمغربية في بيروت منتصف الثمانينات من القرن الماضي؟
في البدء كان لبنان. لم يتخذ العرب، خصوصا اهل الخليج، موقفا واضحا من الوجود الايراني في لبنان. رضخوا له ورضخوا خصوصا لسياسة الابتزاز التي مارسها النظام السوري الذي تحول شيئا فشيئا الى مرتبط بالسياسة الايرانية، حتى لا نقول تابعا لها، بعدما اضطر الى سحب قواته من الوطن الصغير تحت ضغط اللبنانيين الشرفاء فعلا.
من المهم، في ضوء ما تشهده البحرين، ان يكون هناك موقف خليجي موحد من الخطر الايراني. من المهم الاّ يبقى الموقف الحاسم من هذا الخطر محصورا بالبحرين. ان الوضع في اليمن، على سبيل المثال وليس الحصر لا يقل خطورة عن الوضع في البحرين. اضافة الى ذلك، يتبين يوميا ان لا سياسة خليجية موحدة من العراق المطلوب استيعابه عربيا بدل تركه فريسة لايران تعبث بمجتمعه عن طريق اثارة الغرائز المذهبية. كان هناك دائما وعي خليجي لخطورة ما تفعله ايران. الحاجة اكثر من اي وقت الى سياسة موحدة في مواجهة هذا الخطر. صحيح ان ايران دولة جارة وان لا مفرّ من التعاطي معها. لكن الصحيح ايضا ان للجيرة قواعدها. من اهم القواعد الاحترام المتبادل والحد الادنى من الحياء والخفر... والتواضع والتعاطي مع الاخر تعاطي الندّ للندّ لا اكثر ولا اقلّ!