كان الاعتقاد في البداية أن حكومة الثورة الإسلامية في إيران تقف عند حد القضاء على الحكم الدكتاتوري للشاه محمد رضا بهلوي وتحرير إيران من الداخل من الفقر والفساد والظلم والطغيان، والتخلص من التزام الشاه بتبعية إيران للغرب ضد المصالح الوطنية الإيرانية وتحقيق الأهداف الغربية في المنطقة والتحالف مع إسرائيل في اعتداءاتها على الفلسطينيين وأطماعها ضد العرب. لكن حكام إيران الجدد مارسوا من بعد الشاه سياسات اعتبرت حتى الآن ضد مصالح الإيرانيين من الداخل بشكل عام وضد العرب ( وغيرهم ) خارج إيران، وتفوقوا في المقابل سلبيا وبشكل أكبر على سياسات الشاه ولا زالوا يمعنون في التشدد والتوسع في سياساتهم السلبية. وما يتعلق في الداخل لإيران فذاك شأن الإيرانيين وحدهم، ولكن ما يهم هنا هو السياسات الخارجية للحكومة الإيرانية وبشكل خاص تجاه العرب التي هذه المقالة بصددها. فقد كانت من قبل سياسات الشاه في المنطقة إبان حكمه تخدم أطماعه ومصالحه وتخدم مصالح حليفه الغرب وعلى الأخص الولاياتالمتحدةالأمريكية، وكانت مواقفه مؤيدة لإسرائيل في صراعها مع العرب. وجاء موقف الغرب لذلك مؤيدا لاحتلال الشاه للجزر الإماراتية ( طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) لأغراض منها السيطرة على مدخل الخليج. وكجزء من سياسة الشاه التوسعية عندئذ احتل الجزر الثلاث، وطالب بالبحرين وعارض إطلاق اسم الخليج العربي ليستبدله باسم الخليج الفارسي، وشجع الهجرة الفارسية إلى دول الخليج العربية بهدف تحويل الخليج إلى فارسي بضفتيه الشرقيةوالغربية. وعندما قامت ثورة الخميني على الشاه ظن العرب وبحسن نية وتفاؤل أكثر أن النظام الجديد سيكون أكثر عدلا لضمان حقوقهم وأكثر تفهما للقضايا العربية وأفضل من سابقه في علاقته معهم بشكل عام. أكد ظن العرب وتفاؤلهم بذلك نتيجة شعورهم بوجود قواسم مشتركة بين إيران والدول العربية تحفز على التعاون بين الطرفين، هذا إضافة إلى إعلان إيران منذ بداية الثورة عداءها لإسرائيل، ولكن بعد أن اتضحت الأمور تاليا ظهر جليا أن إيران لا يهمها القواسم المشتركة مع العرب ولا يهمها التعاون معهم وغير مستعدة لإعادة الجزر الإماراتية الثلاث أو اللجوء للتحكيم بصددها. واتضح أن ما تقصده إيران من وراء إعلان عدائها لإسرائيل هو نشر مذهبها الشيعي في سبيل القضاء على نفوذ العرب ودورهم الأساس في المنطقة. ولهذا يمكن فهم ماوراء تأييد إيران العلني والمتواصل للفلسطينيين. وسرعان ماخاب ظن العرب وأملهم في العهد الجديد، فقد أثبت حكام إيران الجدد أنهم يعملون على أكثر من شاكلة السير على نهج الشاه: إنهم يريدون السيطرة على العرب، بهدف إقامة الإمبراطورية الفارسية المندثرة تاريخيا، وتجزئة بلادهم وتشجيع الانقسامات الطائفية فيها تمهيدا لخلق حالة من التوتر وعدم الاستقرار لإضعافها. فبدأت حكومة إيران ما بعد الشاه في التحرش بدول الخليج المجاورة وبدأت في محاولات تصدير ما يسمى بالثورة الإسلامية مما تسبب بشكل أساسي في الحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثماني سنوات ومات بسببها أكثر من مليون شخص غير الجرحى والخسائر المادية الأخرى. ولم تتلقن إيران الدرس من الحرب العراقية الإيرانية بما انتهت إليه من مآس إنسانية فتمادت في تدخلها بالشؤون العربية، وخاصة الخليجية منها، مثيرة فيها النعرات الطائفية ومحركة للقوى الشيعية ( كما في تدخلها بلبنان مثلا عن طريق حزب الله )، ومن هذا المنطلق وأخذا بالثأر استغلت إيران احتلال الولاياتالمتحدة للعراق وبتحالف معها أو بتواطؤ منها سيطرت إيران على العراق مؤيدة من قبل عملائها الذين يديرون شؤونه حسبما يصلهم من تعليمات وإملاءات إيرانية. واستهانة بالعراقيين وطمعا في ثرواتهم زيادة على ماتم نهبه منها فقد أقدمت قوة عسكرية إيرانية في تاريخ 18/ 12 / 2009م باحتلال البئر رقم ( 4 ) في حقل الفكة النفطي داخل الحدود العراقية بمحافظة ميسان في جنوب العراق وقامت القوة العسكرية الإيرانية بإنزال العلم العراقي من فوق برجه ورفع العلم الإيراني بدلا منه وفرضت سيطرتها على البئر. وهذا الحدث واحد من سلسلة من الأحداث التي تدل على تخبط السياسة الإيرانية في تعاملها مع العرب وخاصة دول الخليج العربية. ففي الوقت الذي يصرح المسؤولون الإيرانيون بضرورة التعاون مع العرب بشكل عام وخاصة للعمل من أجل أمن الخليج وأمن المنطقة يقومون بأفعال تخالف ذلك ويعملون على إيجاد أوضاع التوتر في دول الخليج العربية. وإيران تعتبر أي تعاون عربي خليجي ( أمني أو دفاعي ) ضدها وضد هدفها القومي الفارسي ( الحلم ) للسيطرة على الخليج وبسط نفوذها وهيمنتها على منطقته كإمبراطورية فارسية وجعله فارسيا بالضبط كما كان يفكر ويعمل الشاه من قبل. ومن منطلق سلوكها القومي الفارسي هذا فلم تكن إيران على مايبدو راضية مثلا عن اجتماع وزراء الدفاع والخارجية ورؤساء الأجهزة الأمنية لدول مجلس التعاون الذي انعقد أوائل يوليو 2009م في الرياض ، واعتبرته ضدها. وتعمل إيران لذلك جاهدة في محاولة ضرب منظومة مجلس التعاون الذي تعتبره ضدها وضد مصالحها. وما يعتبر رد فعل رسمي للاجتماع آنف الذكر هو ما نشره رئيس تحرير جريدة كيهان حسين شريعة مداري في إحدى افتتاحياتها بعيد الاجتماع المذكور المتضمن قوله بملكية إيران للجزر الإماراتية الثلاث وملكيتها لمحافظة البحرين الشيعية غير العربية التي، حسب قوله، هي جزء من الأراضي الإيرانية انفصلت منها، على حد قوله، ضمن تسوية غير قانونية بين الشاه وبريطانيا وأن البحرينيين يطلبون بضم البحرين لإيران الأم. وكون هذا الكلام يمثل تهديدا لأمن ووجود البحرين وتدخلا في شؤونها الداخلية، فقد زار وزير خارجية إيران البحرين بعد ذلك وصرح بتدعيم العلاقات بين بلاده والبحرين مؤكدا استقلال البحرين ومشيرا إلى أن ما يكتب في الصحف من تصريحات وكتابات، على حد قوله، لن يؤثر على العلاقات الثنائية بين البلدين، ولكنه لم يقدم عذرا رسميا عما نشره شريعة مداري، المستشار الإعلامي للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي. وقد يكون رأي المرشد هو ما كتب عنه شريعة مداري. وفي سلوك لاينم عن كون إيران دولة مسؤوله في الخليج فقد تم في السنة المنصرمة، وخلافا للأعراف الدبلوماسية، تطويق السفارة الكويتية وتم أيضا وبنفس الوقت الاعتداء على الدبلوماسي الكويتي محمد الزعبي في طهران من دون مبرر بدلا من أن تحميه واحتجزت طائرته لثلاث ساعات قبل إقلاعها للكويت بعد تدخل وساطات لذلك. هذا إضافة إلى أنها غير مسؤولة كدولة أيضا وهي تتشبث باحتلال الجزر الإماراتية الثلاث، وتقف من البحرين كما صرح به شريعة مداري وغيره، وتستمر في سيطرتها على أجزاء من الجرف القاري للكويت رافضة التعاون معها بهذا الموضوع. الحاصل أن التصريحات والمواقف المعلنة تتناقض والممارسات للسياسة الإيرانية وتتناقض أيضا مع اعتبار إيران نفسها دولة مسؤولة في الخليج وهي التي تدعو للتعاون الأمني والدفاعي مع دول الخليج العربية، وتدعي أيضا أنها تعمل على استقرار المنطقة كما تدعو لعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار. وشتان ما بين القول والفعل. والحق أن هذا التناقض بين المواقف الإيرانية وممارساتها يؤخذ على أنه جزئيا من باب ابتزاز دول الخليج العربية لكي لا تتعاون مع القوات الأمريكية في الخليج. والمحصلة من هذا كله هو أن السياسات الإيرانية بمجملها لاتبعث على روح الثقة بها. وهكذا تسير سياسة إيران بالتدخل في الشؤون الداخلية العربية. ولقد بدد حكام إيران أموال وثروات شعبها في النشاطات المعادية للعرب والنشاطات الموجهة لنشر المذهب الشيعي الإيراني في البلاد العربية والنشاطات الموجهة لإحياء الإمبراطورية الفارسية على حساب العرب. والبرنامج النووي الإيراني تأسس في الأصل ليخدم الأهداف الإمبراطورية بما في ذلك إرهاب وابتزاز العرب وليس في الحقيقة موجها ضد إسرائيل كما يدعي قادة إيران اليوم.. وتدخل إيران في اليمن بتأييدها للحوثيين ماديا ومعنويا في خروجهم على حكومتهم واعتداءاتهم على مناطق حدود المملكة الجنوبية تهدف إيران من ورائه إقامة دولة حوثية تابعة لها ومحاصرة العرب وخاصة المملكة وقد لايكون هذا آخر نشاطات إيران في هذا الشأن إذ هي أقامت لها قواعد عسكرية في اريتريا لتقديم المساعدات للحوثيين منها ولإحكام تدخلها في اليمن وإدارة تدخلها في الشأن الصومالي كذلك، والله أعلم ما هدف تدخلها فيما بعد.. وبعد هذا الذي ذكر، وهو يمثل القليل من الكثير، مما تقوم بفعله إيران تجاه الغير، ألا تستحق بأن توصف على أنها دولة مواجهة مع العرب ( إضافة إلى كونها دولة مواجهة مع الأممالمتحدة وكثير من دول العالم ) .