الخدمة الاجتماعية!! هذا التخصص المأكول المجحود، هذا التخصص المسكين ؛ لم يجد من يناصره ويعطيه حقه في قضاياالعنف الأسري تم تهميش التخصص وبدل من أن يقود التعامل مع مشكلات العنف الأسري، أُعطيت القيادة لغيره في دورالرعاية الاجتماعية (المجال الذي كان ضمن تخصصه الرئيس) لم يسلم من التعدي ودخول غير الاجتماعيين في القيام بمهامهم في مجال الصحة النفسية، وعلاج الإدمان تم تهميش الأخصائي الاجتماعي ليُعطى أدوار ثانوية ؛ هذا على الرغم من أنالتجارب العالمية تؤكد أهمية وأحقية الأخصائي الاجتماعي وتخصص الخدمة الاجتماعية في العمل بالمجالات آنفة الذكر وبشكل رئيس. ورغم ذلك، ظل الأخصائي الاجتماعي يناضل ويكافح من أجل مكانته المهنية والعلمية، ويعلق الأمل بالله ثم بالجهة التي تشرف على تدريس تخصص الخدمة الاجتماعية بالجامعات، ومن أنها هي الملاذ الآمن الذي سينصفه وينافح عنه إلا أن هذه الآمال تبخرت، وأشعة شمسه حٌجبت بواسطة من كان يعتبرها الأم الرؤوم وما أقسى أن تتنكر لك الأم! بل لم تكتف هذه الأم بتجاهل ابنها، لكنها دقت آخر مسمار في نعشه قبل أن يثوى إلى مأواه الأخير كيف حدث هذا؟ القصة أن وزارة التعليم -قبل أيام- أصدرت مسودة الدليل التنظيمي للتعليم العام، وقد كنا كمتخصصين نطالب ونأمل أن تنصف الوزارة خريجي الخدمة الاجتماعية بالاستفادة منهم في مدارسها، ولكن جاء هذا التنظيم ليلغي تخصص الخدمة الاجتماعية من قائمته، فقد تم التخلص من هذا التخصص من المدارس بنجاح على ماذا استندت الوزارة في تنظيمها الجديد للهيكل المدرسي؟ لا نعلم. هل ما قامت به الوزارة مستند على تجارب عالمية؟ هذا غير صحيح لأن التجارب العالمية المختلفة تعتبر وجود الأخصائي الاجتماعي المدرسي أساسياً في العملية التربوية فهذه الولاياتالمتحدةالأمريكية مثلاً، أدخلت الأخصائي الاجتماعي المدرسي في مدارسها منذ مائة عام وبحسب آخر إحصائية، هناك 31890 أخصائي اجتماعي مدرسي بمعدل أخصائي لكل 680 طالب هذا إضافة إلى الأخصائيين الاجتماعيين العاملين في المجالات التعليمية المختلفة ليصل عددهم إلى 41200 أخصائي اجتماعي ؛ كما أن أكثر من 90% من المدارس الأمريكية تقدم خدمات الصحة النفسية ( والتي يعمل بها أخصائيون اجتماعيون ونفسيون) لطلابها وأخيراً وليس آخراً، هناك 28 ولاية من الولايات الخمسين يوجد بها جمعيات مهنية مرتبطة بالخدمة الاجتماعية المدرسية. سأكتفي بالولاياتالمتحدة كمثال، ولن أسرد تجارب الدول الأخرى كبريطانيا أو استراليا أو سنغافورا في تأكيدها علىالاستفادة من الأخصائي الاجتماعي المدرسي وأهمية الدور التربوي الذي يقوم به للارتقاء بالعملية التعليمية والتربوية. إن معاناة تخصص الخدمة الاجتماعية ( والأخصائي الاجتماعي) ، وتهميشه في وزارة التعليم لم تكن وليدة اليوم، فقد بدأت المعاناة منذ سنين، وتحديداً عندما قامت الوزارة بتغيير مسمى الأخصائي الاجتماعي المدرسي إلى مسمى "المرشد الطلابي" وبذلك فتحت المجال لغير المتخصصين بالعمل كمرشدين طلابيين فأضحى الإرشاد الطلابي فرصة لكل من يريد الراحة منالمعلمين، بغض النظر عن مؤهلاتهم وتخصصاتهم وهذا أدى لضعف الخدمات الاجتماعية الاحترافية المقدمة للطلاب، كما أن بعض مدراء المدارس صار يكلف المرشد الطلابي بالقيام بأعباء إدارية على حساب عمله الإرشادي. ناهيك عن ضعف الدعم اللوجستي والتنظيمي والإداري الذي يحظى به المرشد الطلابي، مما انعكس على النظرة إلى فعالية ما يقوم به المرشد الطلابي من خدمات. وفي الوقت الذي كنا نطالب فيه بإعادة مسمى "الأخصائي الاجتماعي" للمدارس، والذي لم تلتفت له الوزارة، إلا أنها بدلاً من ذلك صدمت الجميع بحذف تخصص الخدمة الاجتماعية من القائمة المدرسية وكأنها لم تتطلع على التجارب العالمية ولم تعترف بمايمكن أن يقوم به الأخصائي الاجتماعية من أدوار تربوية تعتبر الشق الثاني من دور المدرسة. إن الوزارة بخطوتها تلك، تقوم بمناقضة نفسها، فهي نفس الجهة التي تدرس تخصص الخدمة الاجتماعية في جامعاتها فهناك أكثر من 8 جامعات على الأقل -بينها كلية متخصصة- تدرس الخدمة الاجتماعية، وسنوياً يتخرج منها أكثر من 3 آلاف طالب وطالبة ومن ضمن المجالات التي يتضمنها تخصص الخدمة الاجتماعية المجال المدرسي، حيث يتلقى طلاب وطالبات الخدمة الاجتماعية تدريبهم الميداني في مدارس التعليم العام فهي واحدة من اثنتين، أما أن ترفض الوزارة تدريب طلاب الخدمة الاجتماعية في مدارس التعليم العام، وأما أن تلغي تخصص الخدمة الاجتماعية المدرسية من جامعاتها. لن أتحدث عن أهمية دور الاخصائي الاجتماعي المدرس وما يقدمه من خدمات اجتماعية وتربوية للطلاب، حيث إنها موجودة في المواقع الرسمية وفي المقالات العلمية والكتب الجامعية المتخصصة لمن يريد معرفتها، ولكن يجب القول إن جميع الأهداف والمهام التي جاءت في الدليل التنظيمي للتعليم العام هي من مهام الأخصائي الاجتماعي المدرسي. إن الطالب كما هو بحاجة إلى المعرفة، فهو بحاجة أشد إلى التربية، وإلى الوقاية من المشكلات الاجتماعية والسلوكية المتعددة مثل تعاطي المخدرات، والانحرافات السلوكية، والفكرية. وتحتاج إلى ربط المدرسة بالأسرة حيث إنهما يمثلان مصدرين هامين من مصادر التنشئة الاجتماعية ذلك الدور التربوي هو من أدوار الأخصائي الاجتماعي الذي قامت الوزارة بإلغائه. أخيراً وليس آخراً، يجب القول إننا لا نعترض على إيجاد متخصص بالتوجيه الطلابي -كما جاء بالدليل التنظيمي-، رغم التحفظ على الشهادات المطلوبة للعاملين فيه، ولكننا نعترض على المهام التي تم تكليف الموجه الطلابي بها، حيث إنها منصميم مهام الأخصائي الاجتماعي. * عضو الجمعية السعودية للدراسات الاجتماعية