يقال أنه في عهد أحد وكلاء وزارة التربية ( وزارة المعارف ذلك الحين) تبنى سعادته خطاً توظيفياً ، يقضي بعدم ترشيح خريجي علم الاجتماع وعلم النفس الجدد ، وحرمانهم من ممارسة العمل كمرشدين طلابيين ، ويقال أن سبب ذلك كان خطأ سلوكياً فردياً وقع من مرشد طلابي يحمل ذلك التخصص . وقد دفع ثمن ذلك الخطأ زملاؤه الذين أتوا من بعده ، فأوقف تعيينهم وصار ترشيح المرشدين مفتوحا للمدرسين غير المتخصصين ، بحيث يتم تفريغهم من أنصبتهم التدريسية لهذا العمل ، ويتم فيما بعد إلحاقهم بدورات تدريبية قصيرة وطويلة ، وبعضهم لم تتح له فرصة التدريب أو الحصول على دبلوم في التوجيه والإرشاد ، واستمر يمارس عمله من خلال التجربة.. لا ننتقص من العمل الذي يقوم به هؤلاء المدرسين الغير متخصصين المحولين إلى الإرشاد ، فهم مرشدو ضرورة مجتهدون ويقومون بأعمالهم ، ويعذرون في جوانب القصور إن وجدت ، فهم لم يؤهلوا أساسا لمثل هذا العمل، ولذلك لن يكونوا بمستوى المتخصصين الذين تلقوا تعليما أكاديميا في التخصص لمدة أربع سنوات تعرضوا خلالها لمواد نظرية في السلوك الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية وتطبيقات منهجية تدريبية مكثفة كدراسة الحالة وغيرها . تجعلهم يمتلكون أداوت تمكنهم من القيام بعملهم بطريقة أكثر احترافية وإتقانا.. إن حرمان شريحة عريضة من خريجي علم الاجتماع وعلم النفس ليس حلا لمشكلة فردية وقعت من فرد واحد ، ويمكن أن تحدث من أي موظف مهما كان تخصصه . فالخطأ يعالج ضمن السياق الذي حدث فيه. كما أن الوقاية تكون بالمتابعة والرقابة وحسن التوجيه من قبل مدير المدرسة وليس الإلغاء والحضر.. وقد تم تدارك هذا الخطأ نسبيا ( أقصد استبعاد خريجي علم النفس والاجتماع ) في السنوات الأخيرة وأصبحت الوزارة تحرص على إعطاء الأولوية للمتخصصين ممن هم على رأس العمل وإن كنا لانعلم عن تصحيح سياسة التوظيف بالنسبة للخريجين الجدد من حملة هذين التخصصين ، وبهذه المناسبة نقترح على وزارة التربية والتعليم إدخال الخدمة الاجتماعية في المدارس . فهذا المسمى أعم وأشمل من الإرشاد والتوجيه الطلابي والأخير متضمن فيه ، كما يتيح المجال لخريجي علم الاجتماع وعلم النفس ممارسة ما درسوه ، وتطبيقه في المدارس في ظل التحولات الاجتماعية الكبيرة والكثيرة والسريعة التي يمر بها مجتمعنا والتي خلفت كثيراً من المشكلات التي لا تخفى على أحد والتي جعلت كثيرا من الوزارات تستعين بالمتخصصين في هذا المجال كمستشارين متفرغين وغير متفرغين إيمانا واقتناعا منها بأنهم يمتلكون من المعرفة والأدوات المنهجية التي تمكنهم من تقديم مشورة وتوصيات ذات نتائج طيبة وفعّالة وعلى رأس هذه الوزارات وزارة الداخلية.. حقيقة لم اطلع على دراسة تقويمية لبرامج الإرشاد والتوجيه الطلابي في المدارس الذي حل محل الخدمة الاجتماعية ممثلة بالأخصائي الاجتماعي ولكني أعرف أن الدور الذي يقوم به المرشد الطلابي غير مفهوم وواضح حتى لدى كثير من مدراء المدارس حيث يكلفون المرشدين بأعمال إدارية وخدمية كثيرة لا تدخل ضمن اختصاصهم .. ولذلك أجد أن عودة الخدمة الاجتماعية بشكل جديد ضرورة ملحة في ظل التغيرات الاجتماعية الحادة والسريعة ، خاصة في مجال الأسرة وبروز كثير من المشكلات التي تحتاج إلى معالجة ، في أسلوب متكامل يأخذ جميع أبعاد المشكلة المختلفة بالاعتبار ، وذلك بإيجاد قسم للخدمة الاجتماعية في كل مدرسة يكون عمله وقائياً وعلاجياً ، ويتكون القسم من أخصائي اجتماعي تخصصه خدمة اجتماعية أو علم اجتماع ، وأخصائي نفسي تخصصه علم نفس ، ومرشد ديني تخصصه شريعة أو أصول دين ، ويعملون كفريق واحد.. صحيح أنه يوجد لجنة توجيه وإرشاد داخل كل مدرسة ، ولكنها لا تمارس عملها بشكل دائم وفعّال ، لأن القائمين عليها من هيئة التدريس في المدرسة ، وغير مفرغين ويقومون بأداء أنصبة كاملة ، كما أنهم غير متخصصين .. إن إيجاد قسم في كل مدرسة للخدمة الاجتماعية سوف يساهم في تحقيق الأهداف التربوية والاجتماعية ، وسوف يساعد على خلق بيئة مدرسية مناسبة لتوصيل ونقل الخبرات المطلوبة للطلبة ، والمساهمة في معالجة مشكلاتهم النفسية والاجتماعية ، من خلال آلية العمل التكاملي بين ذوي التخصصات المتنوعة التي تتضافر من أجل مصلحة الطالب، كما أن إيجاد وحدات للخدمة الاجتماعية في المدارس سوف يوفر فرص عمل لخريجي علم النفس والاجتماع.. عبدالله العرفج [email protected]