"سلسلة لقاح الوعي بالعشرية" 2 إن نجاح شركة أو شخص ما على العبور من أزمة مماثلة لجائحة كورونا بأقل الخسائر يعتبر نجاحًا كبيرًا، أما إذا حققت بعض الأرباح، فهذا نجاح منقطع النظير، فما بالنا بتحقيق بعض الأشخاص والشركات ثروة طائلة، ومضاعفة أرباحهم في هذه الأزمة؟ أنا في الحقيقة لا أجد وصفًا لهذا الأمر.... صحيح "مصائب قوم عند قوم فوائد"، ولكنها ليست هذه المرة مصائب، فهي كوارث وهذا أقل توصيف. إن قطاع الخدمات الالكترونية كان من أكثر القطاعات ربحًا في هذه الجائحة، والأسباب واضحة، فالكثير تجنب الشراء من المحلات، وفضل الشراء من المواقع الالكترونية بأمان، فلك أن تعلم أن أزمة كورونا غيرت النمط الاستهلاكي عند المواطن العربي بشكل خاص الذي كان متحفظًا على الشراء "اون لاين" قبل الجائحة كورونا، فبحسب استطلاع لمؤسسة "إرنست آند يونغ" العالمية صدر في بداية مايو الماضي، فإن 92% من المستهلكين في الإمارات والسعودية غيّروا "عاداتهم التسويقية" بعد انتشار جائحة كورونا، واظهر الاستطلاع أن 58% من المستهلكين الذين قاموا بالشراء عبر المنصات الالكترونية لن يذهبوا مرة أخرى إلى المراكز التجارية التقليدية، أما على المستوى العالمي، ففي النصف الأول من العام 2020، أنفق الأمريكان 347.26 مليار دولار في الشراء من المتاجر الرقمية، بزيادة تقدَر ب 30% عن العام الماضي، وهو ما يُمثِّل نحو خُمس الإنفاق الإجمالي على مبيعات متاجر التجزئة في أميركا النصف الأول من هذا العام، وهو ما يعكس ما حققه هذا القطاع من نجاح وأرباح خلال هذه الأزمة. مكاسب قطاع الخدمات الالكترونية، انعكست بشكل واضح على أصحاب الشركات الذين نجحوا في تحقيق ثروات طائلة من هذه الأزمة، فبحسب صحيفة "ميرور" البريطانية، فإن ثروة جيف بيزوس مؤسس عملاق التسوق الالكتروني "أمازون" وأغنى رجل في العالم، ارتفعت بقيمة 13 مليار دولار، خلال يوم واحد فقط، وهي أكبر قفزة يومية على الإطلاق لشخص منذ إنشاء مؤشر بلومبرج للمليارديرات، وتخطت ثروة جيف بيزوس ال200 مليار دولار ليصبح "بيزوس" أول شخص على الإطلاق تبلغ ثروته 200 مليار دولار في أغسطس الماضي. لم يقتصر تحقيق الأرباح والثروات من أزمة كورونا، على "بيزوس" مؤسس عملاق التسويق الالكتروني "أمازون"، وانما هناك مليارديرات آخرون في مجال التكنولوجيا، حققوا ثروات أيضاً من هذه الأزمة التي أضرت بالجميع، فقد نجح مارك زوكربيرج مؤسس الفيس بوك في زيادة ثروته من 54.7 مليار دولار في 18 مارس إلى 102.4 مليار دولار في 17 نوفمبر، بزيادة قدرها بمقدار 47.8 مليار دولار أي بنسبة 87 %، وارتفعت ثروة مؤسس شركة "مايكروسوفت"، بيل غيتس، إلى 93 مليار إسترليني، في حين كانت بمارس 77 مليار، وحقق ستيف بالمر المالك الرئيسي لشركة مايكروسوفت زيادة في ثروته بقيمة 21 مليار دولار بنسبة 40%، نتيجة للانتقال إلى العمل من المنزل. ما يثير السخرية التي قد تصل إلى حد البكاء، أن هناك 160 مليون شخص خسروا وظائفهم حول العالم بسبب أزمة كورونا وفقًا لبيانات منظمة العمل الدولية، وفي نفس الوقت هناك 29 مليارديراً ضاعفوا ثرواتهم منذ مارس الماضي، وانضم 36 شخصا الى قائمة المليارديرات الجدد بحسب صحيفة دايلي ميل البريطانية، وهو ما يثير التساؤل حول ضرورة التوزيع العادل للثروة-لا أقصد بهذه العبارة تطبيق النظرية الاشتراكية التي ثبت فشلها- ولكن هناك حاجة لوضع أداة لفرض ضرائب على هذه الشركات بصورة كبيرة خلال هذه الأزمة، لتعويض أصحاب المهن المتضررة، وهذا الأمر ليس صعبًا، خاصة أن معظم هذه الشركات لديها أفرع داخل بلادنا، ولكننا في حاجة إلى إرادة، والبحث عن آلية لتنفيذ. وأخيرًا وليس آخر، فقد قرأت كثيرًا عن تجار الحروب والأزمات عبر التاريخ، ولكني لأول مرة أكون شاهدًا عيانًا على هذا الأمر، من خلال معايشتي لما يمر به الاقتصاد العالمي من تغيرات سريعة وعاصفة، تكاد تغير العالم خلال سنوات معدودة بصورة غير متوقعة، ولذلك علينا الاستعداد لمسايرة هذه التغيرات، حتى لا نكون منعزلين عن الواقع. بقلم: بروفيسور/ محمد احمد بصنوي