لعل غضبة القبائل في دول الصراع العربي (اليمن والعراق وليبيا)، سراً قبلياً يعتلي عرش الأحداث التي أفلتت من يد الدولة، إذ ذكرتني الأحداث بقصة حكاها لنا عالم الفقه اللُغوي الدكتور رمضان عبدالتواب، رحمة الله عليه، بأن أعرابياً وجد ذات يوم وليد ذئب صغير منهك في الصحراء ماتت عنه أمه وقد شارف على الموت ، فرق قلب الأعرابي لحالة ، وقرر أن ينقذه ويأخذه لخيمته ليعتني به ويطعمه، إلا أن صغير الذئب لم يكن ليأكل مما سعى الأعرابي لإطعامه به ، فقد كان رضيعاً يحتاج للبن أمه التي فارقته. فكر الأعرابي ملياً ماذا يصنع ، وقرر أن يُرضع صغير الذئب من شاة له ، وبدأ صغير الذئب ممارسة هواية الصغار في الرضاع حتى شب قوياً عن يساره أعرابياً رحيماً، وعن يمنيه أمه الشاة التي أرضعته. مرت الأيام حتى جاء اليوم المحتوم، هب صغير الذئب بعدما صار قوياً شديداً فقتل أمه الشاة وأكلها لم يراعي فيها لبناً شد من عضده ووهبه الحياة، أو رحمة أعطاها له ذلك الأعرابي. وقف الأعرابي مصدوماً، بعد فعلة الذئب، لا تجره أقدامه، ناظراً إلي الذئب منشداً هذه الأبيات المؤثرة: بقرت شويهتي وفجعت قلبي.. وأنت لشاتنا ولد ربيبُ غذيت بدرها وربيت فينا…. فمن أنبأك أن أباك ذيبُ إذا كانت الطباع طباع سوء.. فلا أدب يفيد ولا أديبُ حامدين العلي على وحدة قلوب قبائلنا الراشدة في وضع وجوديًّ فعلي خاص، عماده إرث حضاري عربيّ أصيل، دستوره القرآن، فكل من القبيلة والدولة يتلاقيا في رباعية جذورها الأرض والأمن والشعب والقيم، التي أمن بها أبناء قبائلنا السعوديَّة في مقدمتها رأس الهرم أسرتنا الحاكمة، إذ هم أيضاً قبليون، في لُحمة مع أبناء القبائل ممن لا يرضخون لفكر قد يُزعزع جسد الدولة، إذ تحظى القبيلة السعودية بصفة خاصة بحماية أخلاقيَّة من الدولة، مما جعلتها نموذجا فريداً لنظام الدولة الواعد وصمام أمان داعم أثبت تفوقه خلافاً لتلك الأنظمة الوضعيَّة الأخرى التي بدأت تنهار. وهنا وقفة: هل تعاظَم شأن القبيلة وباتت خطراً على الدولة كإطار سياسي في أقطارنا العربية؟ أم أن ذلك دليلاً على فشل الأنظمة في تأثيرها المُجتمعي حتى تلاشى دورها وتعاظم دور القبيلة كسلطة سياسية مجتمعية؟!! وهل نأمن ذلك في بلدان الخليج؟!! إذ تختلف القبيلة داخل النظام السياسي الملكي عن النظام السياسي الجمهوري، فهي متناغمة ومتصالحة مع الأنظمة الملكية تُغذيه رغبة قبلية هي مفتاح المجتمع المدني الذي يُؤمن بدولة القانون، بعيداً كل البعد عن الدين والطائفية في نسق فكري لا إيكولوجي عصبي؛ لنأمن بعدها: "كم ذئب بيننا؟!".