الغدر والخيانة صفتان خبيثتان بغيضتان لا تجلب لأصحابها سوى الخسران والندم وسوء العاقبة. إنها باختصار خزي في الدنيا وعذاب في الآخرة. ومن أشد وأسوأ أنواع الغدر ما يمارسه البعض ضد أقرب الناس إليه مثل الزوجة أو الأخت أو الأم لاغتصاب حقها ونهب مالها دون أن يرف له جفن، ودون الشعور بأي غضاضة، بل يبرر البعض لنفسه تلك المخازي ويصورها على أنها قربة إلى ربه، فهو يحفظ المال من سفه الأنثى، وما هو إلاّ السفيه فعلاً. ولم تنس العرب تدوين حوادث الغدر والخيانة، حتى تلك التي صدرت من حيوانات كاسرة، إذ أنشدتها شعراً أو سجلتها للعبرة والموعظة تحذيراً من أفعال البشر السالكين طريقها الخائنين للعهود الغادرين بالآخرين. وهذه قصة قوم خرجوا لصيد، فطردوا ضبعة حتى ألجأوها إلى خباء أعرابي فأجارها، فاحترموا جواره طبعاً وتركوها لشأنها. وجعل الأعرابي يطعمها ويسقيها، فبينما هو نائم ذات يوم إذ وثبت عليه فبقرت بطنه وهربت، فجاء ابن عمه يطلبه فوجده ملقى، فتبعها حتى قتلها، وأنشد يقول: ومن يصنع المعروف مع غير أهله يلاقي كما لاقى مجير أم عامر أعدَّ لمّا استجارت ببيته أحاليب ألبان اللقاح الدوائر وأسمنها حتى إذا ما تمكنت فرته بأنياب لها وأظافر فقل لذوي المعروف: هذا جزاء من يجود بمعروف على غير شاكر وحكي بعضهم أنه دخل على عجوز في البادية، فإذا بين يديها شاة مقتولة، وإلى جانبها جرو ذئب. فقالت: أتدري ما هذا؟ فقلت: لا. فقالت: هذا جرو ذئب أخذناه صغيراً وأدخلناه بيتنا وربيناه، فلما كبر فعل بشاتي ما ترى، وأنشدت تقول: بقرت شويهتي وفجعت قومي وأنت لشاتنا ابن ربيب غُذّيت بدرها ونشأت معها فمن أنباك أن أباك ذيب إذا كان الطبع طباع سوء فلا أدب يفيد ولا أديب هذه حال حيوانات صماء غدرت لتأكل وخانت لتشبع لا أكثر، فكيف باللئام من البشر الذين يخططون ويرسمون ويدبرون لتظهر عليهم تخمة الغدر وآثار البغي وعواقب الخيانة. اللهم احفظنا من كل جانب.