أكد الشيخ صالح ابن حميد أمام وخطيب المسجد الحرام والمستشار بالديوان الملكي وعضو هيئة كبار العلماء على أن حب الأوطان والديار لا تُنازع الدين والعقيدة , وهي ليست بعيدة عن الدين البتة , فيجب تعزيز الانتماء الوطني في نفوس الناشئة , فكيف إذا كان الوطن هو بلد آمن نتقرب بحمايته إلى الله , حمى الحرمين الشريفين , وحمى رفع الكتاب والسنة وتطبيق الشريعة والمحافظة عليها , وأكد على أن جنودنا البواسل في الحد الجنوبي يدافعون عن أمن الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين , وعن أمن المسلمين ككل و عن أمن الحجاج والزوار وعن أمن الوطن , لافتاً إلى أن من ذهبوا لمواقع الفتن ممن أرادوا العبث بالأمن كان لديهم قصور في فهم الانتماء الوطني , كما أنهم مغرر بهم, وكانوا ضحايا لعدم فهمهم للانتماء الوطني , فالأمن الفكري لكل أمة هو الذي يحفظ لها هويتها , وثوابتها , والمحافظة على دينها الذي يعد من أهم أثار تحقيق الأمن الفكري للشعوب , وغايته استقامة المعتقد وسلامته , كما أنه يؤكد على التفقه في الدين والمحافظة عليه وتحريم الابتداع في الدين ,كما يُحرم التطرف والفتوى دون علم , والإخلال به يؤدي إلى تفكك الأمة وتشرذمها أحزاباً وشيعاً . جاء ذلك في كلمة ألقاها عن موضوع مسؤوليتنا في تحقيق الوسطية والاعتدال في المجتمع التربوي , في ختام ملتقى وطني قبلة المسلمين الذي نظمته الإدارة العامة للتعليم بمنطقة مكةالمكرمة ممثلةً بإدارة التوعية الإسلامية خلال الفترة من 24- 27 جمادى الثانية ويستهدف الملتقى نحو 5 آلاف من مديري ومديرات المدارس والمرشدين والمرشدات والمشرفين والمشرفات التربويات ورواد النشاط والتوعية الإسلامية في جميع مدارس البنين والبنات بمنطقة مكةالمكرمة برعاية من المدير العام للتعليم بمنطقة مكةالمكرمة الأستاذ محمد بن مهدي الحارثي . وقال ابن حميد : " نعتز بوطننا الذي هو قبلة المسلمين , وقد زادت عزتنا مع عاصفة الحزم فقد كانت عزمة من عزمات ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وفقه الله , فقد كان توجهاً مباركاً , فحينما جاء ت الأزمات كان رجالنا وقادتنا وجيشنا لحمة واحدة " . ولفت ابن حميد إلى أن التربية كانت تمارس من قبل الآباء والأمهات قديماً , وقبل تطور التعليم رغم عدم تخصصهم, أما الآن فالتربية لها أطرها ولها قواعدها وأسسها ولها أهلها ورجالها , وأوضح بأن محيط الأبناء كان في الأسرة والمجتمع فقط , فكان التأثير الخارجي بسيط جداً , أما في العصر الحاضر فالتأثير عليهم من قبل الوالدين أصبح محدوداً في ظل الثورة المعلوماتية الهائلة ووسائل التواصل الحديثة , ومن هنا يتجسد الحديث عن التربية , فالحياة كلما زادت تعقيداً وكلما اتسع انفتاح الأبناء على العالم الآخر كلما زادت التربية صعوبةً , ومعها تتعاظم المسؤولية , ويتطلب الأمر الارتقاء بخبرات المربين وإمكاناتهم وتطويرها . وأضاف بأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان , وهذا يعني أننا عندما نكون صادقين ونربي الأبناء على طاعة الله وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم في أي عصر , فهذا هو النهج الحقيقي والدقيق الذي لا يتغير في التربية , وطالب المربين بالتأسي برسول الله عليه الصلاة والسلام , فهو خير قدوة , وسيرته المعين الصافي تربوياً ودينياً واجتماعياً واقتصادياً . وفي محور أثر الإيمان على الأمن , أشار ابن حميد إلى أن تحقيق التوحيد لله وحده يُعد المحور الأول لتحقيق الأمن في المجتمعات , فكلما اضطرب الإنسان في توحيده اضطرب أمنه , ونوه على أن صلاح الفكر , والأمن , والعمل من أثار تحقيق التوحيد . واعتبر ابن حميد الوسطية والاعتدال والتوازن والمساواة من أهم القواعد التربوية للقادة المربين , فحينما يكون الإنسان وسطاً فإنه يجمع بين الثبات والتطور , والمحلية والعالمية , والمثالية والواقعية . وشدد على ضرورة التربية على ممارسة الحوار والتأسيس عليه واحترام الخلاف وتنشئة الأجيال على تقبل الخلاف وعدم التعصب للآراء , وذلك بأن نعطيهم مساحة واسعة وكبيرة للحوار لإبداء آرائهم المختلفة , مع البعد عن التغليط مهما كانت الآراء شاذة , مع ضرورة التصحيح , وهذا من حقوقهم علينا , فالحوار غاية في الأهمية في تحقيق الوسطية والاعتدال والبناء في الفكر والتربية , فالذي يتربى على الحوار يتربى على عدم القطيعة في رأيه وفكره , وأنها قابلة للنقاش , وللخطأ , وبالتالي قابلة للتراجع , فيكون آمنًا فكرياً , بخلاف من لديهم انحباس فكري ككثير من المنحرفين الذين يعانون من الاحتقان , فهم يتشبثون بآرائهم , وينتج عن ذلك توترهم وارتفاع مستوى احتقانهم , مما يعزز لديهم الانحراف الفكري . كما طالب التربويين بتطبيق وتنشئة الأجيال على مفهوم التسامح والتعايش مع الآخر وقبوله وبدون الذوبان ولا أن نقصرهم ونجبرهم كما قال تعالى { ليس عليك هداهم } , وهو بمفهومه لا يجتمع مع الانحراف الفكري , لأن العقلية التي تتعلم التسامح وتمارسه سيكون لديها مناعة ذاتية في رفض الأفكار المنحرفة وعدم قبولها . من جهته أعرب المدير العام للتعليم بمنطقة مكةالمكرمة الأستاذ محمد بن مهدي الحارثي في ختام فعاليات الملتقى عن شكره وتقديره لاستجابة أئمة المسجد الحرام في تلبية الدعوة والمشاركة في إثراء الملتقى بعلمهم ، داعياً التربويين إلى الاستفادة مما تم طرحه خلال فعاليات الملتقى في أيامه الثلاثة من مواضيع هامة لطلابنا وطالبتنا تعزز لديهم الأمن الفكري والولاء والانتماء للوطن وتعلمهم أسلوب الوسطية والاعتدال وتقيهم من مخاطر الانحرافات السلوكية والفكرية .. وفي نهاية الملتقى كرم المدير العام للتعليم بمنطقة مكةالمكرمة الأستاذ محمد بن مهدي الحارثي الشيخ صالح ابن حميد بهدية تذكارية كما قام بتكريم مؤسسة الراجحي الخيرية الراعي الرسمي للملتقى ومؤسسة عناية للإنجاز .