هي تلك المشكلة المزعجة، والظاهرة المؤذية؛ التي تجدها في البيئات الشعبية والقروية خاصة، ولدى الشخصيات المضطربة؛ ذات الثقافة المتواضعة، ويقصد بها اشتغال السمع والبصر بمراقبة الآخرين، وتتبع أحوالهم، ورصد تحركاتهم، والتدخل في خصوصياتهم. ويعدّ التطفل الكبير، والفضول الشديد؛ من الأفعال الجانحة، والسلوكيات الشاذة، وهو من صنيعة السفيه المعتل المختل؛ الذي له سوء سريرة، وخبث طبيعة ، ونظرات غير مستقرة ، وحواس غير هادئة. وهو الذي يمكنك اكتشافه؛ إذا لاحظته يحشر سمعه وبصره في حياة الناس الخاصة، وفي أمورهم الشخصية، حيث يعتدي بذلك على مملكة الخصوصية؛ ويخترق حصونها ، ويقتحم كيانها، ويستبيح حماها، وفي الحديث النبوي الصحيح: ( يبصر أحدكم القذى في عين أخيه، وينسى الجذع في عينه). إنّ الشخص المتطفل عابث وسفيه ؛ لن يسلم من تعديه قريب ولا بعيد، فهو الميال دائماً (للبحلقة)، والهاوي غالباً ( للّقافة)، حتى إنك تراه أثناء قيادته للسيارة؛ يشتغل باستراق النظر ، يرقب الرائح والغادي، ويفسر ما يرى ، ويغتاب من يشاهد، ويفتري بما يريد، ويتهكم بمن يريد. وتزداد الوقاحة عنده، وتكبر النذالة لديه؛ إذا خرجت المرأة وهي بكامل سترها، فيهاجمها بعينيه الجائعة؛ والتي لن يسلم من أضرارها ؛ فالشيطان يستشرفها له، ويزينها أمامه، وفي الحديث النبوي الشريف: ( إن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس من تركها من مخافتي أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه). وأنت إذا أرسلت طرفك رائدا لقلبك يوما أتعبتك المناظرُ. وقد يقع الضرر من الناظر اللئيم المشوب نظره بحسد فإن (العين حق)، (ولو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين)، كما أخبر الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام، والذي كان يتعوذ من الجان، ومن عين الإنسان، لكن العين لا تضر بأمر الله تعالى؛ إذا كان المنظور محصناً بالأذكار، أو برَّك العائن، وقال : ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، اللهم بارك عليه. ولاشك أن الذي يدفع الفرد اللئيم إلى ملاحقة أخبار الناس، واقتحام أحوالهم، ومراقبة أوضاعهم، وتصيد أخطائهم، وتتبع زلاتهم؛ هو تزيين الشيطان له بفعل هذا السلوك المذموم، والصنيع المرفوض، وهو كذلك ثمرة من ثمرات الوقت الخاوي ، واللب الخالي ، والحسد الكامن. إن الفرد الفضولي (الحشري) يعلم أنه لن يكسب من وراء سلوكه المشين قيمة ، ولن يجد فيه فائدة، بل سيضيع على نفسه الوقت والمصلحة ؛ ولن يجني سوى الذم والنبذ، والكبد والكمد، وقد قيل: (من اهتم بما لا يعنيه؛ فاته ما يعنيه). فمن أجل السعادة والراحة، والألفة وترابط العلاقة؛ علينا أن نحترم خصوصيات الآخرين ، وألا نتجسس على شؤونهم الخاصة، أو نلتفت إلى عيوبهم الشخصية، فإن (مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ فَضَحَهُ فِي بَيْتِهِ)، و(من غض بصره، أطلق الله بصيرته)، وأراح عقله، وأرتاح بسبب ذلك قلبه، و(من اشتغل بنفسه شغل عن الناس، ومن اشتغل بربه شغل عن نفسه وعن الناس). د.عبدالله سافر الغامدي جده.