كثيرا ما يدخل المفكرون الخليجيون في جدل طويل لا ينتهي حول مصطلح «البابوية»، وإن اتفقوا على أن «الإسلام» نظريا ضده ولا يقبل به؛ لأن الإسلام أكبر من أن يحتكره «ولي فقيه أو مرشد أو فئة خاصة» ، بيد أنهم يتجادلون كثيرا حول الواقع، فئة تؤكده، وأخرى تنفي وجوده، وما زال الجدل مستمرا، ولكن هل هذا المصطلح مرتبط لدينا بالدين فقط، أم لدينا «بابوية» بالمعرفة بل وحتى بالعلوم التطبيقية ؟ حين تستمع لخطاب المفكر لدينا أو لإجابته على الأسئلة، تجده وبسهولة ويسر يغلق السؤال من بعده كأن يقول لك الدكتور «عبدالله الغذامي»: «لا يوجد ليبرالي بالسعودية، لم يكتب أحد عن الانتخابات بالأندية الأدبية... إلخ»، أو تقول لك طبيبة سعودية: «لا يوجد علاج لمرض السرطان». فيما إن أنصت لخطاب المفكرين في المجتمعات القابلة للتطور، تجده يترك السؤال مفتوحا لمن بعده، ولا يغلقه بخطابه «البابوي»، فيقول لك: «لا أعرف ليبراليا، أو لم نجد إلى الآن علاجا لمرض السرطان»، أي ما زال لدينا قصور معرفي ربما يكمله الجيل القادم بعدنا. لنفترض أن شابا يريد الدخول لمكتبة فيها 50 مليون كتاب بحثا عن كتاب معين، وهذا الشاب ما هو إلا «للجيل الجديد»، فالتقى أمام باب المكتبة بشيخ جليل «الجيل القديم»، وهو خارج من المكتبة، وليوفر هذا الشاب الوقت على نفسه حاول أن يستفيد من تجارب الشيخ الجليل، فسأله عن الكتاب، فجاءت الإجابة «لا يوجد»، من الطبيعي والمنطقي والعقلانية ألا يدخل الشاب المكتبة؛ لأن ما يريده غير موجود، ومن الغباء أن تبحث عن شيء غير موجود. بيد أن الشيخ الجليل الخارج من المكتبة/ الدنيا لو قال للشاب: «لا أعرف أو بحثت ولم أجده» سيمنح الفرصة للشاب «الجيل الجديد» إعادة طرح السؤال؛ لأن الإجابة لم تغلق السؤال.. المشكلة أن العاملين على المعرفة في الخليج والعالم العربي أيضا يؤكدون لك نظريا أنهم ضد غلق السؤال «وغالبيتهم على مستوى الوعي صادقون»، لكن إجابتهم على مستوى الواقع قطعية، فتضع الجيل الجديد بين خيارين، إما أن يرددوا الإجابات «البابوية» المعرفية النهائية، أو أن يقفوا في مصاف الحمقى، فيبحثوا عن شيء غير موجود. [email protected]