موضوعنا اليوم شيّق ويدعو للتفكير ! كنت قبل أيام نتبادل الحديث حول موضوع أن أكثر من يقدم التنازلات في الحياة هي المرأة ! واختلفت مع هذا الرأي كون الموضوع عميق جداً وله تفصيل والمقولة آثارتني كونها سطحية و غير واعية ! في أي شراكة بين اثنين أو أكثر في الحياة عموماً في الأسرة في العمل في الصداقة يكون هناك اختلاف والاختلاف طبيعي وصحي ومطلوب أيضاً ، بل إن الاختلاف في نظري هو سر استمرار أي علاقة ناجحة ! زي ما يقولون " نكمل بعض " ! أقصد الاختلاف المتوازن طبعاً ! الاختلاف ليس فقط في الصفات والطبائع بل حتى في الأهداف والقيم و الأوليات في الحياة ! فحين أعطي رأي فهو بناءً على أولوياتي والأهم عندي وحين تختلف معي فهو بناء على أولوياتك والأهم عندك ! أنت لم تخطيء وأنا كذلك وكلنا نرتاح لما نراه صحيح ! سأضرب مثالاً يقرب فكرتي و هو المثال الذي تناقشنا حوله ! تنازلات المرأة للرجل إن كان زوجاً فيما يخص العمل والوظيفة أو الدراسة ! اختلفت مع زوجها على مسألة التخصص والدراسة هي تريد طب وهو يرى أن الطب عمل لا يناسب حياتهما ويشغلها عن طفلها وبيتها فغيرت تخصصها وتنازلت عن رغبتها وضحت في سبيل استمرار الحياة وتربية طفلها واستقرار البيت ! قصة تتكرر باختلاف تفاصيلها والمضمون واحد تنازل وتضحية لأجل غيري ! ستقولون لي بنبرة حادة و مندفعة : أن ما فعلته صحيح وهذا مايجب عليها أن تفعله أن تتنازل لأجل بيتها وطفلها وإلا وصفها المجتمع بالعناد وقل المسؤولية وفرض رأيها على الرجل ! وربما تقولون ضعي نفسك مكانها كيف ستتصرفين ستفعلين مثل ما فعلت ! أولاً أريد أن أخبركم شيئاً مهماً أن تضع نفسك مكان شخص وتتخيل أن ما يحصل له يحصل لك هذا أمر خطير جداً ، لأنك وبدون قصد تجلب لك نفس ظروفه وتعيشها وتتأثر بها وأنت مختلف عنه تماماً ! حين يُطلب منك أن تضع نفسك مكان أحد توقف أرجوك ولا تحكم على أحد بهذه الطريقة ! وحين يُطلب منك رأيك في تصرف ما توقف أيضاً عن الحكم عليه ووصفه بالصحة من عدمها ! من يطلب رأيي فيما فعلته سأذكره لكم دون أن أقول لك تصرف صحيح أو تصرف خاطيء ! قلت لك هناك أولويات وقيم لكل شخص إن لم تضعها بعد فضعها الآن ! ما هي أولوياتك في الحياة ! الأسرة والأطفال أولاً أم شريك الحياة أم العمل والوظيفة أو المال أم العلم والدراسة أولاً وغيرها حين اختارت هي أن تتنازل عن تخصصها ربما لم يكن هو من ضمن أولوياتها ربما الأسرة عندها هي الأهم وهذا ما تضح لنا ! في قصة أخرى أصرت أن تكمل دراستها في التخصص الذي تحبه لأنه الأهم عندها لأنه حلمها الذي تسعى لتحقيقه ! لأنه رقم واحد من أولوياتها ! هي تنازلت بناءً على أولوياتها لأن قيمة العلم عندها عالية ! و لا يحق لنا أن ننتقدها أو ننبذ تصرفها ونصفها بقل العقل وجفاء القلب وحب النفس والتأثر بالغرب أو عدم المسؤلية كونها اختارت ماتريد على مايرده غيرها ! هي اختارت أن تنفصل عن زوجها كونه يمنعها عن تحقيق ما تريد ويأمرها بالمكوث في البيت البيت فقط ! غيرها اختار أن يرضى ويتنازل بناءً على أولوياته وغيرها لم تختار أن ترضى لأن الوضع لا يناسبها ! أنت على ما تضع نفسك عليه ! وحين نصبر على مشاكل قوية واختلافات جذرية وشتم وضرب وتعدي في سبيل مقوله نرددها " عشان عيالنا " قف معي قليلاً هنا ! أتفق أن حياة الأبناء مع والديهم هي الأفضل لكن ليس معنى ذلك أن حياة الأبناء بعد الانفصال سيئة ! الوالدين وعموم الأهل من يقرر ذلك بتعاملهم وحرصهم و وعيهم ! لم يكن الطلاق يوماً شيئاً سيئاً ، وعلى المجتمع أن يعي ذلك ! الانفصال حل وربما يكون أفضل حل ، الانفصال في نظري هو شجاعة هو قوة أختارهُ لكي لا أظلم نفسي وأظلم من معي ! اذا احتدمت الأمور وفشلت المحاولات ولم تكن هناك نقاط اتفاق ! ونحن من ألفنا هذه المقولة وصدقناها " يضيعون عيالهم بعد الطلاق" ربما الانفصال خير لهما ولأطفالهما بدل أن يعشوا في جو من المشاحنات والمشاكل والتحديات بدل أن تعيش الأم شعور الانكسار والضعف وما باليد حيلة فتجلب لأولادها الشعور نفسه ويصابون بالعقد النفسية وكره الحياة والزواج ! لم يكن الانفصال عائق أو عيب أو حرام اهتموا بأطفالكم فأنتم من تقررون ضياعهم من عدمه بعد الإنفصال ! . تقولون لي أن المرأة تقدم تنازلات أكثر من الرجل نعم في مجتمعنا هذا نعم ! لكن أدعوك للوعي أكثر بنفسك وحاجاتك وأولياتك ولنحترم رغباتنا وأولوياتنا في الحياة ونقرر بناءً عليها ! حين تتنازلين عن شيء ترغبين به لترضين غيرك وأنت غير راضية ! وترددين ضحيت وتنازلت وقدمتهم على نفسي أنت من اختار ومن وضع نفسه في هذا المكان ! ولا تنتظرين شفقة من أحد ! تنظرين لمن حقق ما كنت تريدين تحقيقه وتقولين آآه كان حلم لي كنت أريد أن أصبح هكذا كنت أريد تحقيق هذا قبلهم ! حين نتنازل عن شيء ونحن نريده وألغينا أولويته سنعيش بنفس منكسره ضعيفة و ضائعة ! وحين نختار أن نكون مانريد ستكون النتيجة مختلفة ! لماذا نصل لهذه المرحلة والله جعل لنا حرية الاختيار حين خلق لنا العقل ! والله نهانا عن ظلم النفس " وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " وأمرنا بأن نُعمّر الأرض ونعيش كما نريد ونستعين به وندعوه وهو يستجيب لنا وهو معنا ! يحمينا ويقوينا ويعطينا ما نطلبه ! التنازل مطلوب في الحياة لأننا نعيش معاً بمختلف أفكارنا وأولوياتنا فنحتاج أن نتنازل لنعيش معاً ! ولكن إن احتجت أن تتنازل فتنازل بوعي واتزان وضع لك أولاويات ثم إن احتجت أن تتنازل قرر بناءً عليها ! . بقلم هنادي العتيبي Rain544@