من المؤكد أن انتشار الشائعات في مجتمع ما ، نتيجة طبيعية لخلل في بنائه الداخلي ،و غالبا ما يكون هشًا وقابلًا للتفكك . و من أكبر المعضلات التي تعاني منها مجتمعاتنا, عدم القدرة على ملاحقة مثيري الشائعات والفتن ؛ أو محاولة السيطرة عليها ؛في ظل هوس المجتمع بوسائل التواصل الاجتماعي والاخبار الزائفة والافتقار الى أساليب التدقيق قبل تداول تلك الشائعات والاكاذيب ، وقد حذر الدين الشريف من آفات اللسان فهذا معاذ بن جبل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله أنؤاخذ بما نقول ؟ فيقول له صلى الله عليه وسلم : تكلتك امك يأبن جبل وهل يكب الناس في النار على وجوههم الا حصائد السنتهم . ويقول صلى الله عليه وسلم ( لا يستقيم ايمان العبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ) . ومن اعظم الآفات الكذب والافتراء على الاخرين من اجل النيل من شخص ما فتنال منه في اخلاقه او عرضه أو أمانته , وقد تناول القران الكريم هذا النوع من الافتراء بالتفصيل في حادثة الافك والتي كانت اختبارا ثقيلا على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى الصحابة وعلى ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها . فجاء القران مبرئا لها من فوق سبع سماوات . فهذا الرسول العظيم اصدق البشرية اصابته الدهشة واعتصره الالم أمام هذا الافتراء العظيم حتى جاءه الفرج من فوق سبع سماوات ،و النفس البشرية عندما تفقد قيمها ويتغلغل فيها الحسد والكراهية تصبح مسخا شيطانيا يشن حربا لا هوادة فيها على كل من يخالفوه فينال منهم , وينعتهم بأقبح الالقاب ويصفهم بأبشع الوصوف , ولا تشعر تلك النفس المريضة بالذنب او الاسى لأنها اصبحت جمادا لا مشاعر له . وحذَّر الله تعالى في كتابه الكريم من عواقب تداول الاخبار قبل التحقق والتمحيص والتأكد من صحة المعلومة يقول تعالى (فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك هم الكاذبون ) . والاصل أن تناقل أي خبر غير موثوق به هو وجه من اوجه الكذب . ثم يوجه القرآن الكريم بالتصرف الصحيح عند سماع الشائعات والاكاذيب فيقول تعالى ( لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا افك مبين ) . فالأصل حسن الظن بالناس فقد روى محمد بن اسحاق أن ابا ايوب رضى الله عنه قالت له امرأته أم ايوب : يا أبا ايوب أما تسمع ما يقول الناس في عائشة (رضى الله عنها ) فيقول نعم وذلك الكذب ..... اكنت فاعلة ذلك يا ام ايوب ؟ قالت لا والله ماكنت لأفعله . قال فعائشة والله خير منك !! إن تناول الشائعات وتناقلها امر خطير يقول الله سبحانه وتعالى في سورة النور ( إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ) . وعندما نسمع تلك الشائعات التي تريد النيل من الوطن ومن رجاله الاوفياء ومن مقدراته , تشعر بالاسى أن تجد بعض الابواق ومسعري الفتن يرددون مالا يفقهون ،ويقول سبحانه وتعالى ( يا بني إنها ان تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة او في السماوات او في الارض يأت بها الله . إن الله لطيف خبير ) ويقول صلى الله عليه وسلم ( كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع ) . إن المجتمع المتماسك هو من يكون صامدا وقويا امام الشائعات , محاربا لها , نابذا لمروجيها . ولعنا نختم مقالنا هذا بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ( ألا اخبركم بأيسر العبادات واهونها على البدن : الصمت وحسن الخلق )