إن عملية بناء المناهج وتطويرها لا تتوقف عند حد، بل هي عملية مستمرة تنشد التحديث والمعاصرة في زمن أصبحت الأجيال فيه تتباين فيما بينها بسرعة لم يعهد لها مثيل من قبل. وهذا التسارع يوجب علينا إعادة النظر في مناهجنا التعليمية حتى تواكب المتغيرات الثقافية والاجتماعية والتربوية التي يعيشها أبناء المملكة التي ترسمت سمات الدولة العصرية الحديثة منهجًا لها دون إخلال بضوابط الشريعة، أوتقاليد المجتمع . إن ما شهدته مناهج التعليم في مدارسنا بشكل عام في الفترة الأخيرة من تطوير يندرج تحت مظلة المشروع الشامل لتطوير المناهج، لأمر يدعو إلى الاطمئنان من قبل كل تربوي وطموح لتطوير التعليم في بلادنا، لكن ذلك لا يعني أن نتوقف عند ذلك الحد بينما خطى العالم تسير حثيثًا من حولنا؛ لذا فإنه حري بنا أن نعتمد مبدأ التحديث المستمر، وانتقاء الحسن حتى يتبين الأحسن منه من خلال الدراسة الموضوعية، والاعتبارات المنطقية التي لا تخضع للذاتية، ولا تصدر عن خواطر عابرة. من هذا المنطلق، أنادي بضرورة التعاون المستمر بين المعلمين والمشرفيين التربويين من جهة والقائمين على بناء المناهج وتطويرها من جهة أخرى، اعتمادًا على مبدأ التغذية الراجعة (feedback) ليكون الهدف المنشود محوره؛ إتمام تطويرها وتحسينها، من خلال التركيز على نظام بنائها، وجميع مناشطها. و الإشكال لا يمكن في عدم الإيمان بأهمية مبدأ التغذية الراجعةمن قبل الجميع، ولكن الإشكال يكمن في غياب برنامج سهل ومرن ومتقن يربط القائمين على المناهج التعليمية والمنفذين لمفرداتها في الميدان التعليمي، ولعل من الجميل والمفيد في خطوات لاحقة إشراك الفئة المستفيدة (الطالب وأسرته)؛ فالتغذية الراجعة منهم تصدر تكمل الحلقة الرابطة بين الجميع. فالتغيرات التقنية التي شهدها مجتمعنا السعودي منذ العقد الأول من الألفية الثالثة، قد جعلتنا ملزمين في بناء المناهج أن نعي أن طلابنا يتعاملون مع عناصر حديثة يقدرونها مثلما نقدر-نحن- عناصر تقليدية تعودنا عليها؛ لذلك فإن المواءمة بين العناصر القديمة والحديثة أصبح مطلبًا ملحًا يسهم في تسهيل مرور الرسائل التي يريد القائمون إيصالها إلى أجيال الوطن القادمة باعتبارهم موارد بشرية هي الأغلى والأبقى لهذا الوطن. لذلك فإن عملية التحديث والتطوير المستمرة لهم تعد استثمارًا وطنيًا يؤدي في النهاية إلى "تحقيق مزيد من التغيير الاجتماعي الإيجابي، ومزيد من التكامل والتماسك الاجتماعي"، فلم يعد هناك أي شك في أثر المناهج التعليمية على بناء القوى البشرية في أي مجتمع كان، فقد "برهنت الدراسات الاجتماعية التطبيقية التي أجريت على المجتمع السعودي على وجود أثر للتعليم بتنمية كثير من القيم الاجتماعية وتغييرها إلى الأفضل ".