مر التعليم العام في المملكة بمراحل مختلفة من التوسع الكمي والنوعي، استجابة لمتطلبات التنمية وإنمائها، لأجل إحداث نقلة نوعية عالية الجودة في تطوير التعليم عامة والمناهج خاصة، ومن خلال دراسة واقع التعليم تم التوصل إلى ضرورة التطوير الذي يراعي تلبية حاجات المتعلمين وحاجات المجتمع والتهيئة لسوق العمل، وهذا ما تهدف له وزارة التربية والتعليم، فجاء المشروع الشامل لتطوير المناهج الذي يهدف إلى تطوير العملية التعليمية بجميع أبعادها وعناصرها، وكل عمل جديد لابد أن يصاحبه بعض الانتقادات والاعتراضات، ولكن كلما يكون هذا العمل قد أخضع لمزيد من الدارسات والبحوث فسوف يكون فاعلاً، وتطوير المناهج في بلادنا من أكثر الموضوعات التي أثارت جدلاً كبيراً في المجتمع. "الرياض" التقت بعدد من الشخصيات لإلقاء الضوء على مزيد من التطور في هذا المجال مع بداية العام الدراسي الجديد. التغيير مطلب بداية يقول المسؤول التربوي "محمد آل راجح": إنّ التغيير سنة من سنن الله في الكون، وعندما نقول هذه العبارة في سياق تجديد وتطوير المناهج المدرسية لا يعني ذلك منا هز الثوابت التي بنى عليها هذا المجتمع المتماسك، فالثوابت الدينية بالنسبة لنا هي السياج الذي حمى هذا النسيج وجعله ناميا متكيفا في وجه كل المتغيرات، وهذا أمر مفروغ منه لا يقبل جدال ولا كثير كلام، لكننا حينما نعتبر المدرسة هي المتجر الذي يلبي احتياجاتنا فليس بمستغرب منا أن نحرص على أن نسوق فيه كل جديد ومن هذا المنطلق كانت احتياجاتنا العصرية تستدعي عاجلا دون آجل أن نطور مناهجنا. نحن مع «التغيير للأفضل» ولكن علينا أن ننتظر مخرجات «الكبسولة الجديدة»! تنمية الشخصية ويوافقه "الاستاذ. حسن بن ثابت الحازمي" - مدير مكتب التربية والتعليم بجنوب مكةالمكرمة - مؤكداً أنّ عملية تطوير المناهج والمقررات الدراسية في وزارة التربية والتعليم تهدف إلى تطوير نوعي في مناهج التعليم؛ لتحقيق وخدمة مجالات متعددة ومهمة ومن أبرزها تنمية شخصيات المتعلمين العلميّة والعمليّة والعناية بمهارات التفكير لدى الطلاب، وتوفير التعليم بما يتناسب مع قدراتهم وميولهم، وكذلك التوازن فيما يقدم من كم معرفي في ضوء حاجات المتعلمين ومتطلبات العصر والتحول من التركيز في المحتوى المعرفي إلى عمليات التعلم بما يضمن ويساعد على تطبيق ما يتعلمه الطالب ويترجمه إلى مهارات في حياته اليومية وتوظيفه في حل مشكلات التي تواجههم، وكذلك التعامل مع متغيرات العصر وفق رؤية شرعية ووطنية متزنة واستثمار الخبرات العالمية في بناء المناهج وتحقيق نقلة نوعية في إعداد الكتاب المدرسي والمواد المصاحبة. محمد آل يعلا تهيئة قبلية ولكن "الاستاذ. محمد الراجح" رأى أنّ انسياق وإسراع وزارة التربية والتعليم لدواعي التطوير بهذا الشكل المتسارع جعل ثمة أخطاء من الطبيعي أن تحصل فنجد أن مرحلة التدريب المهني للمعلمين على هذه المناهج - التي من المتأكد أنها من استراتيجيات التطوير - لم تكتمل فترة رضاعتها بعد، والأولى أن تمكث مدة التدريب فترة زمنية أوسع، ولابد أن يأخذ وقته أولا قبل أن تفرض المناهج الجديدة بهذه العجلة، مضيفاً كما أن ثمة برامج افترضتها المناهج الجديدة في الطلاب لن تتحقق إلا بوجود تهيئة قبلية لها بإضافة إلى ضعف التوطئة الإعلامية لإحلال هذه المناهج كبديل للمناهج القديمة في المدارس، وكذلك قلة تفعيل الشراكة المجتمعية في تصحيح المسار من خلال التغذية الراجعة جعلتها تعيش بمنأى عن دقة تحديد الاحتياج الحقيقي. د. صالح الشايع التأسيس أولاً ومن داخل المجتمع المدرسي طالب "محمد آل يعلا" - معلم - بأهمية تدريب المعلمين أولا ومن ثم يتم تطبيق تدريس المناهج الجديدة على الطلاب، حيث ذكر أنّ فريق التطوير قام بالتطوير وليته لم يقم بذلك حتى يؤسس لهذا الشروع تأسيساً مناسبا من حيث تدريب المعلمين على تلك المناهج وتهيئة البيئة المناسبة لها، وتساءل كيف يقومون بإعداد مناهج لم يراعى فيها جانب المعلم، وكيف يزج بمناهج لم تراعي حال الطالب ولا قدراته الاستيعابية، مشيراً إلى أنك إذا نظرت إلى منهج الصف الاول الابتدائي على سبيل المثال ترى العجب العجاب من كمية المعلومات والمعارف والمصطلحات الغربية وغير المفهومة للمعلم فكيف بالطالب. حسن الحازمي حقل تجارب وأوضح "سلطان التركي" - معلم علوم ابتدائية - أنّ الميدان التربوي أصبح حقل تجارب، ومن المعلوم أنّ كثرة التجارب في الميدان التربوي تربك كل من يعمل في الميدان من معلم إلى طالب إلى هيئة إدارية أو إشرافية، مضيفاً: لنأخذ مشروع تطوير الرياضيات والعلوم مثلا فهو كفكرة رائع، ولكن التطبيق يحتاج مزيدا من الدراسة؛ لأنه مطلوب من الطالب في الصف الأول الابتدائي أن يقرأ ويكتب في منهج العلوم ويسجل الأنشطة بيده وهو لم يتقن بعد معرفة الحروف الهجائية، والمشروع انتجته شركة ميجروهيل الامريكية التي اعتمدت في أن طلاب الصف الاول في امريكا جميعهم درسوا في رياض الاطفال، وعندنا لم يتجاوز عدد رياض الاطفال في المملكة ألف روضة، ونخشى أن يلحق هذا المشروع بسابقيه والضحايا تزداد نتيجة العشوائية والارتجالية. تشتت التركيز وقالت المعلمة "فاطمه محمد" - معلمة مرحلة ثانوية: الإسهاب في تطوير وتعديل المناهج وكثافتها وكثرة المعلومات وخاصة ثالث ثانوي أدى إلى إجهاد المعلمة والطالبة وتشتيت تركيزها، وكثرة الحصص المقررة سببت الملل للطالبة وللمعلمة أيضاً؛ لأنه يتعدى أحيانا الحصتين في اليوم مما يؤثر في المعدل عند ضربه في عدد الحصص لمرحلة الثاني والثالث الثانوي، وبذلك يكون نصاب المعلمة أكثر من 20 حصة، وتكرار بعض الدروس من المرحلة المتوسطة يزيد من تفاقم المشكلة، مشيرةً إلى أنّ حرص المعلمة على إنهاء المناهج في الوقت المناسب من دون معرفة استيعاب الطالبة يسبب ازدحام المعلومات وكثرتها زيادة على ازدحام الفصول بالطالبات، وعدم توفر الوسائل التعليمية الحديثة كالتي تهتم بها الدول الاوروبية، ووجود بعض الدروس والأبواب غير المتكاملة التي لا تناسب مستوى تفكير الطالبة وعمرها مثل الهندسة الفراغية وهذه العوامل تؤدي لضياع الهدف الرئيسي للتدريس. تقنين التدريب ولكن "الحارثي" أكد أنّ لدى الوزارة خططاً مقننة لتدريب المعلمين، حيث يجب ألا ننكر قيام وزارة التربية والتعليم بتقديمها مشكورة خطط مقننة للتدريب على هذه المناهج من خلال بناء الكفاءة الداخلية في إدارات التربية والتعليم والمدارس، ومن خلال منظومة من البرامج التدريبية للمعلمين وفق متطلبات المناهج الجديدة، حيث تقوم عدد من اللجان بتقويم للأداء التعليمي المطلوب وفق متطلبات المناهج الجديدة وأدوات ومصادر يتطلبها المناهج المطورة. التطوير ولم يعارض "آل يعلا" التطوير، قائلاً: نحن مع التطوير والتحسين، ولكن ماتم بمشروع المناهج الجديدة أشبه (بالولادة الخديج) فالمناهج تدور في فلك والمعلم غير المدرب في فلك آخر، متطرقاً إلى نقطة حساسة جدا الا وهي أنّ أغلب المناهج الجديدة يحتاج تطبيقها إلى جهاز حاسوب وسبورة ذكية وهذا ما يفتقده جل الطلاب وأغلب المدارس. رؤية وتطوير من جانبه أكد مدير عام مدير عام المناهج بوزارة التربية والتعليم "د. صالح الشايع" على أن للوزارة رؤية تطويرية شاملة للمناهج التعليمية لتوفير وتقديم مناهج تربوية تعليمية متكاملة ومتوازنة ومرنة ومتطورة، تلبي حاجات الطلاب ومتطلبات خطط التنمية الوطنية واحتياجات سوق العمل المستقبلية، وتستوعب المتغيرات المحلية والعالمية، وتحقق تفاعلا واعيا مع التطورات التقنية والاتجاهات التربوية الحديثة، وترسخ القيم والمبادئ الإسلامية السامية وروح الولاء للوطن وتؤكد الوسطية والاعتدال، وتكسب الطلاب المعارف والمهارات والاتجاهات النافعة اللازمة للحياة والتعلم والتعايش الاجتماعي، وتقود إلى التفكير والتأمل والتدبر والتعلم المستمر واستخدام التقنيات ومصادر التعلم المختلفة، ومن هذه المشروعات التطويرية "المشروع الشامل لتطوير مناهج التعليم الأساسي". نوعي وكمي وأضاف: هذا المشروع هو مشروع وطني يهدف إلى تطوير جميع عناصر المنهج وفق أحدث النظريات والأساليب التربوية والعلمية المعاصرة، وتتولى وزارة التربية والتعليم بالاشتراك مع بيوت الخبرة والمؤسسات التعليمية والأكاديمية الوطنية الحكومية والأهلية عمليات تخطيطه وتنفيذه و تقويمه، مبيناً أن من دواعي التطوير للمناهج الدراسية حيث وضح أن التعليم العام في المملكة مر بمراحل مختلفة من التوسع الكمي والنوعي، واستجابة لمتطلبات التنمية وإنمائها، ومن أجل إحداث نقلة نوعية عالية الجودة في تطوير التعليم عامة والمناهج خاصة، حيث تمت دراسة واقع التعليم بشكل منهجي وتم التوصل إلى ضرورة التطوير الذي يراعي تلبية حاجات المتعلمين وحاجات المجتمع والتهيئة لسوق العمل، ومن هنا كما تهدف له وزارة التربية والتعليم، جاء المشروع الشامل لتطوير المناهج الذي يهدف إلى تطوير العملية التعليمية بجميع أبعادها وعناصرها. الحاجة للتطوير وعن أهمية حاجة المناهج الحالية إلى التطوير قال "الشايع": لا يخفى على أحد أن التقدم السريع والتطور الذي حدث في المجتمع السعودي في الفترة الأخيرة مما يستوجب إعادة النظر في المناهج لتواكب هذا التقدم. فالمناهج الحالية قد أدت الغرض الذي وضعت من أجله وخرَّجت – والحمد لله – أجيالاً خيرة لهذا البلد، غير أن هذه المناهج بحاجة إلى تطوير نوعي بما يتناسب مع التقدم العلمي والتحولات الاجتماعية والاقتصادية والتغيرات العالمية"، وعن الأهداف العامة للمشروع الشامل لتطوير المناهج يؤكد "الشايع" على أن المشروع الشامل لتطوير المناهج يهدف إلى إحداث نقلة نوعية في التعليم من خلال إجراء تطوير نوعي وشامل في المناهج ليستطيع بكل كفاية واقتدار مواكبة الوتيرة السريعة للتطورات المحلية والعالمية. تفاعل وأضاف: المشروع يهدف أيضا إلى توفير وسيلة فعالة لتحقيق أهداف سياسة التعليم على نحو تكاملي عن طريق الآتي: تضمين المناهج القيم الإسلامية والمعارف والمهارات والاتجاهات الإيجابية اللازمة للتعلم وللمواطنة الصالحة والعمل المنتج والمشاركة الفاعلة في تحقيق برامج التنمية والمحافظة على الأمن والسلامة والبيئة والصحة وحقوق الإنسان، وتضمين المناهج التوجهات الايجابية الحديثة في بناء المناهج مثل مهارات التفكير ومهارات حل المشكلات ومهارات التعلم الذاتي والتعلم التعاوني والتواصل الجيد مع مصادر المعرفة، ورفع مستوى التعليم الأساسي الابتدائي والمتوسط وتوجيهه نحو إكساب الفرد الكفايات اللازمة له في حياته الاجتماعية والدراسية والعلمية، وتنمية المهارات الأدائية من خلال التركيز في التعلم من خلال العمل والممارسة الفعلية للأنشطة، وإيجاد تفاعل واع مع التطورات التقنية المعاصرة وبخاصة التفجر المعرفي والثورة المعلوماتية، من حيث تحقيق التكامل بين المواد الدراسية عبر المراحل المختلفة، وكذلك إتاحة الفرصة للطلاب لاختيار الأنشطة المناسبة لقدراتهم وميولهم وحاجاتهم في حدود الإمكان، وربط المعلومات والتعلم بالحياة العملية والتقنية المعاصرة من خلال التركيز في الأمثلة العملية المستمدة من الحياة الواقعية.