«هل طبيب العائلة رجل أم امرأة؟ قبل 100 سنة، لم تشجع النساء على دراسة العلوم، كما هو الآن، ومع ذلك ظهرت مجموعة من النساء اللواتي لهن إنجاز على مستوى العالم»، ذلك السؤال أو الحجر الصغير كان هو استهلال صفحة موضوع «النساء والعلم»، الذي تم الإشارة إليه في مقال الأسبوع الماضي كفتح كبير يحسب لتغيير منهج ومقرر مادة العلوم للصف الأول المتوسط، وإن ضوءلت كمية المادة الواردة في الموضوع سوى أنها تحمل من الدلالات والمراجعات الكفيلة بإحداث هزة نقدية إيجابية لركود كثير من المفاهيم والأعراف الاجتماعية التي ترسخت كعقيدة يصعب إفلاتها من قبضة الثبات. الهزات النقدية لا يُحدثها إلا العقل الانتقادي، و«العقل الانتقادي هو عقل جماعي بالدرجة الأولى، فليس في وسع أي فرد أو مجموعة من الناس أن يتناولوا واقعهم كله بالنقد، ولكن إذا عم الوعي النقدي فإنه يخلق عقلاً جماعياً قادراً على الخروج من وعي التخلف ووضع الأسس لعقل التقدم». «عبدالمحسن» أخي الصغير ذو الأعوام الستة، اليوم يكمل ثالث أيامه الدراسية الأولى في الصف الأول الابتدائي في مرحلة التعليم العام «الدولي» ال «international»، في المقابل سيكمل أخي «محمد» طالب الهندسة الكهربائية أسبوع دراسته الجامعية الثالث. عبدالمحسن ومحمد نشآ في البيئة الأسرية ذاتها ودرسا في المدرسة الأهلية ذاتها، سوى أن المفارقة كانت في التردد على إدخال محمد قبل أكثر من 15 عاماً للمدرسة ذاتها لمجرد الخشية من تأثير دراسته لمواد اللغة الإنكليزية المكثفة على ثقافة مجتمعه! وقد كانت قضية صراع الأجيال بين الآباء والأبناء نتيجة المواجهة والانقسام الفكري على أوجها في تلك الفترة، وكان في تلك السنوات رأي واعتقاد محافظ وسائد شبه متفق عليه حيال تلك القضية التي أظهرت الأيام أن التقليدية والانغلاق على تربية الأبناء في مقابل العالمية التربوية هي من أدت لعواقب غير محمودة في نشوء ذلك الانقسام والصراع. حينما عرّف «نسبة» التغير الاجتماعي: «على أنه نوع من الاختلافات المتلاحقة التي تحدث بمرور الوقت داخل الوحدات المستمرة الحدوث»، أكّد على استمرار العنصر الذي يحدث فيه التغير دون عملية اقتلاع وإحلال لبعض العناصر بأنواع جديدة، فقد ألقت الدراسات والتجارب العالمية التي تجري في مجال المناهج التعليمية الضوء على أهمية مسايرة المنهج للعصر، فلفتت الانتباه للحاجة الملحة للتغيير المستمر الذي تفرضه مقتضيات ظروف الزمان والمكان على المنهج ومراجعة المفاهيم الاجتماعية الحديثة التي يطالب المنهج بنقلها لأفراده من خلال بنائه العصري دون انتفاء ثوابته المجتمعية التي قام عليها. إن من أهم عوامل حدوث التغييرات في مفاهيم المجتمع هو التغير في القيم الاجتماعية الذي يعد من أهم أنماط التغير البنائي، سوى أنه يجب التذكير أن عملية التغير في النسق القيمي يصنف من التغيرات البطيئة جداً بخلاف العناصر المادية الأخرى، وبالتالي، فإنه يترتب على تغيير القيم تغيير مجموعة أنماط الرؤى والأدوار الاجتماعية، تغير المنهج بالمعنى الحقيقي هو تطور تدريجي يحدث على امتداد فترة من السنين، وليس نمواً طارئاً سريعاً يمتد لفترة زمنية قصيرة، وبالتالي، فإن التطبيقات والممارسات الاجتماعية التي تنجم عن التعديلات والتغييرات في الفلسفة التربوية ستنمو أيضاً ببطء. التحويرات في المنهج ينبغي أن تلازم التغيرات التي تحدث في مفاهيم وعادات وتقاليد المجتمع، وذلك يعني أن التغييرات والتعديلات في المنهج يجب ألا تحدث بسرعة تزيد عما يحدث من تغيرات في المجتمع حتى لا يحدث تناقض بين القيم التربوية وبين كل من القيم المادية للمجتمع والقيم المعنوية لأفراده، لكن العكس في الحال القائم يفرض علينا السؤال: ما محصلة تأخر المناهج عن التغيرات في المفاهيم التنموية الوطنية الحديثة والمطلوبة؟! من الواضح جداً - ونتيجة للانفتاح العالمي - أن المجتمع لم يعد ينتظر من التعليم أن يؤدي دوره في مراجعة ونقد مفاهيم ثقافته الاجتماعية، والبحث عن علاقتها بتعطل أو إعاقة كثير من الأفكار التنموية الشاملة والمشتركة على صعيد المواطن الرجل والمواطنة المرأة، سوى أن للتعليم ومناهجه ميزة تحقق قبول المجتمع لمراجعة المفاهيم الاجتماعية السائدة ونقدها لسبب يعود إلى أن التغيير في المنهج سيلقى قبولاً اجتماعياً أوسع وأشمل نظراً للامتياز الرسمي لتلك المناهج من جهة، ومن جهة ثانية أن تغييرها سيتم من خلال الأسلوب العلمي ووفقاً لمعايير العالمية التربوية التي تتطلبها ظروف المرحلة. عدم تجانس البناء الاجتماعي، وعزلة بعض أفراد المجتمع من العوامل المعيقة لإحداث التغير الاجتماعي المطلوب للتنمية الوطنية الشاملة، يمكن للتعليم ومناهجه تجاوزهما من خلال العوامل التكنولوجية، إذ رصد علماء الاجتماع عدم الاهتمام بالتكنولوجيا والاختراعات كعامل من شأنه أن يُحدث نوعاً من الإعاقة للتغير الاجتماعي والاقتصادي الشامل، الالتزام بمتطلبات الإبداع في التعليم من شأنه أن يحقق ذلك الهدف، سوى أن الإبداع لن ينمو في تربة تتوجس من بعض عوامل النمو الصحي، فلا إبداع إلا في فضاء أفقه النظرة الإيجابية لجميع العلوم المعاصرة والمنجزات الحديثة، ويظل الأمر بعد هذا كله، ليس مقروناً بالمنهج وتغييراته من عدمها، ولا برؤيته وكيفيته، مداه وأساليبه. يبقى الأمر مقروناً بمعلم - ومعلمة يكفيهما ما بين علامتي التنصيص في استهلال المقال، يكفيهما «حجر صغير» لهزّ بحيرة راكدة. باحثة سعودية في الشؤون الأمنية والفكرية. [email protected]