تكمن أهمية وجود الإشراف التربوي في النهوض بالعملية التربوية والتعليمية في ظل المستجدات المتتالية الناتجة عن التطور السريع الذي يشهده الميدان التربوي والتعليمي وضرورة وجود مساند ومحفز للهيئة الإدارية والإرشادية والتعليمية بالمدرسة، وقد تغيرت مفاهيم وأساليب الإشراف التربوي عمَّا كانت عليه في الماضي، حيث أخذت طابعاً تطويرياً إنمائياً للمعلم وأصبح جهدا يهدف إلى التحسين المستمر ومساعدة المعلم على النمو في المهنة وتحسين أدائه باعتباره محور العملية التوجيهية. وممَّا دعا إلى هذا التحسين والتطوير في الإشراف التربوي، تغيُّر المجتمع المحيط بالمدرسة بكل معطياته، إلى جانب الحاجة لتجويد التعليم، حيث ساعد في ذلك كثير من الدراسات الميدانية التي كشفت عن أهداف وممارسات جديدة وفاعلة للإشراف التربوي، فالمشرف يقيس ويقيّم مستوى الواقع من خلال إعداد الأدوات التي تساعده على ذلك، وبالتالي تحديد احتياجات الميدان، إذ إنَّه يتابع ويهيئ ويدرب ويقيّم، كما أنَّه يُقوّم ويقدم التغذية الراجعة ويعمل على علاج المشكلات وتجاوز الصعوبات، فهو بذلك حلقة الوصل بين الإدارة والميدان التربوي، كما أنَّه يُسهم بشكل كبير في تطوير المناهج وتوزيع المعلمين حسب الاحتياج، إلى جانب اختيار أفضل وأنسب التجارب التربوية الهادفة لتغذية الميدان التربوي. ومن هنا فإنَّ نجاح المدرسة بكل منسوبيها في أداء رسالتها التربوية والتعليمية مرهون بإيجاد كادر إشرافي مطور ومؤهل للنهوض بالميدان، والعكس صحيح، فبسقوط الإشراف التربوي ينهار الهرم التعليمي بالكامل. تطور ملموس ورأت "نعيمة شكر" -مديرة الابتدائية الثالثة بمحافظة العلا- أنَّه طرأ في الآونة الأخيرة تطور واضح وملموس على أداء وعطاء بعض المشرفات والمشرفين التربويين، مُضيفةً أنَّ المدارس التي تنعم بإدارة تربوية متمكنة ومؤهلة في مجال التطوير ومواكبة المتغيرات يمكنها أن تطور ذاتها بذاتها وتبلغ بمدرستها للقمة لتصبح مدرسة معتمدة على نفسها، موضحةً أنَّ ذلك يتأكد عندما تكون المشرفة التربوية ضعيفة في مجالها الإشرافي ولا تجيد الكشف عن الاحتياجات التدريبية للمعلمات، وبالتالي إشباعهن وتطوير جوانب القصور لديهن. يحيى خبراني دورات تدريبية واقترح "يحيى خبراني" –معلم- أن يكون المشرف التربوي حاملاً لشهادة "ماجستير تربوي" مع حصوله على دورات تدريبية متنوعة في العلاقات العامة وجماليات التعامل من فن الاستماع والإلقاء وفي كل ما يطرأ على الميدان التربوي من مستجدات، مُضيفاً: "لاحظنا أنَّه مع تطبيق النظام الفصلي والمقررات والمناهج المطورة أنَّ بعض المشرفين غير ملمين بها"، موضحاً أنَّه يتضح ذلك من خلال إيصال المعلومات الخاطئة للمعلمين. زيارات مستمرة وبيَّنت "مريم سليمان" -مديرة ابتدائية الداثري والمخشمي- أنَّ الإشراف التربوي يُعد ضرورة من ضروريات الارتقاء بالعملية التعليمية، حيث يعمل على تطوير وتجويد عمل المعلمة، مُشيرةً إلى أنَّ المشرفة التربوية قدمت الكثير من الدعم والإشراف والمتابعة للمعلمات، لافتةً إلى أنَّ المشرفة التربوية تُعد مساندة وداعمة لمديرة المدرسة تحمل عنها جزءاً كبيراً من التدريب والمتابعة والتوجيه والإشراف، متمنيةً زيادة عدد المشرفات التربويات؛ ليتمكنَّ من تغطية المدارس بزيارات متكررة ومستمرة. مستشارة تربوية وأكَّدت "نوره آل محسن" -معلمة بتعليم الخرج- على أنَّ المشرفة التربوية لم تعد كما كانت عليه في السابق تنظم زيارة مفاجئة تربك بها المعلمة، بل إنَّها أصبحت خبيرة ومستشارة تربوية مهمتها الأساسية تطوير أداء المعلمة بكافة الأساليب الحديثة المتاحة، من تدريب واجتماعات وقراءات ومداولات منظمة وهادفة، إلى جانب الزيارات وتقديم الدروس التطبيقية، مُشدِّدةً على أهمية دعمها وإزالة الصعوبات التي تعترض طريقها؛ لتؤدي واجبها الإشرافي على أكمل وجه. ننتظر فرض الدورات التدريبية على المشرفين وتقييم العمل وقياس مستوى الأداء Wفجوة كبيرة ولفتت "زينة دغريري" -مشرفة تدريب تربوي بإدارة التعليم بمنطقة جازان- إلى أنَّ منظومة الأداء الإشرافي التي صدرت مؤخراً حسَّنت العمل الإشرافي وقوَّمت أداء كثير من المشرفين التربويين، مُضيفةً أنَّه ما زال هناك فجوة كبيرة بين العمل الإشرافي والمنظومة التعليمية، مُشدِّدةً على ضرورة إعادة تأهيل بعض المشرفين الذين يحرصون على جمع الأوراق فقط بعيداً عن أداء دورهم الأساسي في التطوير والمتابعة والتقويم. أدوات التقويم وأوضح "عبدالله السويلم" -مشرف التعليم الأساسي بوزارة التربية الأسبق- أنَّه تمَّ الزجّ بالمشرف التربوي في الميدان لتقييم المعلم وقياس الناتج التعليمي للطلاب دون أن يتم تدريبه وتهيئته لأداء هذه المهام، متسائلاً: "كيف نطلب من المعلم أداء دوره داخل الصف الدراسي والمشرف التربوي المساعد والمعين له -بعد الله- لا يملك هذه الأدوات؟"، مؤكداً على أنَّ العديد من المشرفين التربويين غير ملمين بأدوات التقويم. وأضاف أنَّ أكبر دليل على ذلك أنَّهم يستخدمون أداة تقييم واحدة، وهي الملاحظة، في حين أنَّ الملاحظة تُعدُّ استراتيجية متكاملة تضم أدوات تقويم مختلفة، ومنها -على سبيل المثال- الملاحظة البصرية والاختبارات والتدريبات والمشروع والتعلم بالأقران والسلم التقديري، متمنياً الإفادة من الخبراء التربويين في التقويم لتقديم دورات تدريبية للمشرفين تختص بقياس الناتج التعليمي. ممارسات إشرافية وعدَّ "زامل الرويس" -رئيس قسم العلوم النفسية والاجتماعية بإشراف محافظة الدوادمي- المراحل التي مر بها الإشراف التربوي بداية بالتفتيش ونهاية بمسماه اليوم "الإشراف التربوي" مُجرد تغيير في الاسم فقط وانتزاع للصلاحيات، مُضيفاً أنَّ المتأمل للممارسات الإشرافية التي يؤديها المشرف التربوي والصلاحيات التي بيده يلاحظ أنَّه كالآلة، حيث انتزعت منه الصلاحيات وأصبح منفذاً فقط، بينما المأمول هو أن يكون للمشرف التربوي دور أكبر وأفضل ممَّا هو عليه الآن. كفاءات إشرافية وأشار "عبدالعزيز الراجحي" -مدير مكتب إشراف الروضة بالرياض الأسبق- إلى أنَّ هناك مشكلات أدت إلى ضعف دور الإشراف التربوي في الميدان، وبالتالي ضعف المُخرجات، ومنها ضعف الكوادر القيادية والإدارات على مستوى الوزارة، إلى جانب الخلل في ترشيح الكفاءات الإشرافية، إلى جانب ضعف التكامل بين الإدارات ذات العلاقة في العملية الإشرافية، وكذلك ضعف تطوير المشرف التربوي والبرامج المقدمة له.وبيَّن أنَّ هناك قصوراً كبيراً في متابعة أداء المشرف وقياس الأثر فيما يقدمه من برامج وأنشطة، مُضيفاً أنَّه يكفي هنا النظر إلى تقويم المرحلة الابتدائية وما لها من أثر سلبي على المنتج التعليمي، موضحاً أنَّ منشأ ذلك كله هو ضعف المتابعة، مُشيراً إلى أنَّ الفجوة الكبيرة الحاصلة بين اختبار القدرات والتحصيلي وبين نتائج الثانوية العامة، وكذلك الخلل الكبير في تطبيق اختبار "حسن" للمرحلة الابتدائية على مدار خمس سنوات مضت تعود إلى تطبيقها بطريقه عشوائية خاطئة لا تحظى بالمتابعة الجادة والتغذية الراجعة السليمة من الإشراف التربوي. استشارات تربوية وتمنت "حورية سلمان" -مشرفة صفوف أولية- أن يأتي اليوم الذي نرى فيه المشرف التربوي مستشاراً تربوياً يقدم الاستشارات التربوية والتعليمية للمدرسة لتقويمها وتطويرها، مُضيفةً أنَّ الإشراف التربوي تدرّج في مسمياته وأساليب تنفيذه، فقد كان فيما مضى يعرف بالتفتيش ثمَّ التوجيه، وأخيراً "الإشراف التربوي"، كما أنَّه كان يبحث عن الأخطاء والثغرات والقصور ليعالجها، وبالتالي انحصر دوره في معالجة أوضاع قائمة أدى الإهمال أو القصور أو ربما الجهل إلى حدوثها. تطوير المعلم وأوضح "صلاح العنزي" -مشرف تربوي بالحدود الشمالية- أنَّ الإشراف التربوي في وقتنا الحالي يعد عملية مستمرة تعمل على تطوير وتدريب المعلم ليواكب التسارع التكنولوجي ومنظومة التربية والتعليم وإحداث التغيير المطلوب، سواءً على المعلم أو الطالب أو البيئة المدرسية وفق ضوابط ومعايير وتوجهات وزارة التعليم، مُضيفاً أنَّ ذلك جاء بعد أن مرَّ الإشراف التربوي بمراحل متعددة، بداية بمرحلة التفتيش ثمَّ التفتيش الفني، وبعدها مرحلة التوجيه التربوي التي نظمت فيها عمليات التوجيه التربوي. جائزة التميّز وشدَّد "صالح الشريف" –مشرف تربوي- على ضرورة تأهيل المشرفين التربويين، مشيداً بالخطوة الرائعة التي خطتها الوزارة والمتمثلة في وضع جائزة للتميز لجميع الفئات تعمل على التحفيز وشحذ الهمم للارتقاء بالعملية التربوية والتعليمية، مبدياً تفاؤله بتطبيق النظرية البنائية في التعليم وتحديث استراتيجياته وفق متطلبات النظرية التي تجعل من الطالب محوراً للعملية التعليمية، مُشيراً إلى أنَّ منظومة مؤشرات الأداء ستزيد كفاءة الإشراف التربوي وسترفع من جودة التعليم وتحسين مخرجاته. وأيَّده الرأي "قاسم الرويلي" -مشرف تربوي للجودة الشاملة-، لافتاً إلى أنَّ الإشراف التربوي اختلف عن الماضي بشكل كبير، حيث أصبح المشرف ذا قيمة ومهمة عظيمة تتمثل في خدمة المعلم والعمل على خلق منظومة تعليمية جاذبة ومتميزة بكل ما فيها، ابتداءً بالبيئة التعليمية والمناشط الإثرائية والهيئة الإدارية والإرشادية والتعليمية، وانتهاءً بالطالب كثمرة تربوية ناجحة ننتظرها بفارغ الصبر. مداولات إشرافية وقالت "جميلة الزهراني" -مشرفة تربوية بمنطقة الباحة-: "التحقت بالإشراف التربوي في مرحلة التوجيه، أيّ ما بعد مرحلة التفتيش، وصدر في تلك الفترة أول دليل للأساليب الإشرافية، حيث كانت عبارة عن الزيارة الصفية والاجتماعات والنشرات التربوية لمناسبتها لتلك الفترة ومتطلباتها"، مُبينةً أنَّ التطور الكبير في وسائل التقنية وتطور أدوات المشرف التي يستخدمها لتطوير أداء المعلم ومتابعته أدَّى إلى إضافة المداولات الإشرافية، والتدريب بأنواعه، وبالتالي أصبح الإشراف تطبيقياً وأكثر جدوى من قبل. جودة المُخرجات وتمنَّت "غصون داود" -مديرة إدارة الإشراف التربوي بالإدارة العامة للتعليم بمنطقة جازان- أن يحرص جميع منسوبي التعليم على العمل والتطبيق أكثر من التنظير وتنفيذ المشروعات الوزارية الضخمة الهادفة لتطوير التعليم بالطريقة الصحيحة، مُضيفةً أنَّ ذلك لن يتأتى إلاَّ من خلال إعادة النظر في ضوابط ترشيح المشرف التربوي ودعمه وتطويره ورفع كفاءته، ليكون قادراً على دعم الميدان، إلى جانب إيجاد وتأهيل معلم محب لمهنته مقدر لمكانتها وأثرها الايجابي على تطور المجتمع، وذلك من خلال جودة مخرجات التعليم المتمثلة في الطالب. أخطاء فنية وأكَّد "عبدالله الغامدي" -مشرف تربوي بتعليم محافظة جدة- على أنَّ الإشراف التفت مؤخراً لمهمته الأساسية التي تكمن في رفع كفاءة المشرف التربوي من خلال زيادة النمو المهني له، كما أنَّه أصبح أكثر صرامة وموضوعية في اختيار المشرفين التربويين وفق التخصصات المطلوبة، وبذلك أصبح داعماً قوياً للمدرسة والمعلم على حدٍ سواء، بعد أن كان في الماضي مصبوغاً باجتهادات القائمين عليه ميدانياً؛ ممَّا أوجد فجوة بين المعلم والمشرف التربوي الذي كان يحصر الأخطاء الفنية وتزويد المعلم بقائمة تحتوي على الملاحظات والتوجيهات. قياس الأداء وأشادت "نادية الغامدي" -مشرفة تربوية لتوجيه وإرشاد الطالبات بتعليم المنطقة الشرقية- بمنظومة قيادة الأداء الإشرافي التي صدرت مؤخراً، مُشيرةً إلى أنَّها خطوة رائعة وحاسمة من قبل العاملين عليها بوزارة التعليم؛ لكونها تبرز وتؤطر الممارسات والعمليات الإشرافية وفق مؤشرات يتم من خلالها قياس الأداء، فبواسطتها يتم تحديد مواطن القوة والضعف وإصدار الأحكام والتمكن من بناء البرامج المعالجة والمعززة للقيادات الإشرافية وتطوير الميدان التربوي من خلال أساليب إشرافية مناسبة ومتنوعة. متطلبات التنمية وأوضح "علي النعمي" -مدير إدارة الإشراف التربوي بتعليم صبيا- أنَّ القيادة التعليمية في المملكة أولت التعليم جل عنايتها واهتمت بتطوير وتحسين كافة عناصر العملية التعليمية بما ينسجم ويحقق تعليم نوعي قادر على مواجهة متطلبات التنمية، ومن أهم تلك العناصر التي اهتمت بها المعلم، حيث سارعت لإيجاد جهة تتابعه وتطور أدائه وتدعمه وتُقوّمه، وهي الإشراف التربوي الذي خرج عن مفهوم تصيد الأخطاء إلى عملية إشرافية تهدف لتوجيه المعلم ورفع مستوى أدائه. عبدالله السويلم زامل الرويس عبدالعزيز الراجحي صلاح العنزي صالح الشريف قاسم الرويلي عبدالله الغامدي علي النعمي