يرى أتباع المنْهج السلفي إنَّ كلِمة سلفية تعني الإسلام الحقيقي فمن خرج عن منهج السلف فقد خرج عن حِياض الدين , والسّلفية ليست حصرا على الدين الإسلامي فأصحاب المذهب الأرثوذِكسي يرَون من يُخالفهم مُهرطقا وكافرًا , وعليه فالمعنى الحقيقي للسلفية هو إتِّباع الدِّين كما اُنزل على الأنبياء والصالحين . إلا أن المذهب السلفي وعبر تاريخه الطويل تعرَّض للكثير من المشاكل العقدِية والظُّروف المُستعصية التي جعلته ينهج نهْجا أكثرَ تشدُدا ليحمي نفْسه من البِدع والفِتن , ولعلّ هذا ما فعله الإمام احمد بن حنبل الذي واجه المُعتزِلة أصحاب فكرة الأخذ بالعقل في الدِّين والذين لم يُحكِّموا عُقولهم في اختلافهم مع الإمام ابن حنبل لاسيما في مسالة اسْتواء العرْش وخلق القُران , ولم تكْفِهم عقلانِيَتهم لدحْر ابن حنبل فلجاؤا لظُلم السُّلطان والذي قام بتعذِيبه فلم يتَغَيَّر موقفه , وخرج ابنُ حنبل من مِحنته ليعيش في ذاكرة التاريخ وينْدثر أكابرُ المُعتزلةِ , لقد كانت معركةٌ انْتصرَ فيها الْعقْل المُتّزن على العَقل الذي يُريد فرْضَ رأْيه بِالقوَّة . وعاد المذهب السلفي للظهور مع عالم متبحِّر قلّما يجود الزمان بمثل عقيلته ,الإمام تقي الدين ابن تيميه الذي كانت سلفيته اشد بمراحل من السلفية الوهابية التي يُهاجمها خصومها بشدة وينعتونها بأبشع الصفات . نعود للشيخ ابن تيمية فنقول لقد كانت دعوته السلفية مبررة مع ظروف غزو التتار وضياع البلاد الإسلامية وظهور البدع وتفشي الفساد , فكان لابد من مُحرِّك لدحر العدو واسترداد الأرض واجتثاث الفساد . لقد كان تأثير الشيخ عظيما في جمع الحشود وشحذ الهمم , ولم يكتفي بذلك فقد كان يمشي بين صفوف الجيش ويتناول تمرات في نهار رمضان ليقول للجيش افطروا وجاهدوا عدوكم فقد كان يخاف أن ينال الصيام والقيظ من الجنود . ومع كل هذا فهزيمة التتار واستعادة ارض الإسلام لم تمنع ابن تيمية من مكائد أهل المحن فأمضى بقية حياته في السجن حتّى توفاه الله . ورغم أن الكثير ينسبون للإمام ابن تيمية نشأة الفكر الجهادي , إلا انه يجب إن نعترف إن فكر الإمام الجهادي كان جهاد الكفاية للدفاع عن دماء وأعراض المسلمين في وجه العداة الغازين .وينقم البعض على ابن تيمية رأيه في الخروج على الإمام الظالم في إشارة إلى مقولته الشهيرة ( إنّ ستُّون سنة في كنف إمام جائر خير من مبيت ليلة واحدة بلا سلطان ) . وتناسى هؤلاء أن الشيخ ابن تيمية ومن قبله الإمام احمد ابن حنبل رغم ما لقياه من عذاب ومعاناة فقد التزما بعدم تأليب الناس على الحاكم , ولعله من السهل في عصرنا هذا أن نقتنع بسداد رأي الشيخين وعظيم بصيرتيهما إذا نظرنا إلى ما يحصل في العراق وسوريا وليبيا واليمن !! الوهابية , يراها البعض اشد أنواع السلفية تشددا ووصفها البعض كفهمي هويدي بأنها دعوة للاستقالة من الحاضر ويقول عنها زكي نجيب محمود أنها حركة منافية للمستقبل !! ومشكلتنا نحن العرب أننا نحكم على الأشياء دون دراسة وتيقُن بل نكتفي بالسّماع لِنَصِفَ الأشياء بالجمال أو البشاعة تماما مثل ( شاهد ماشافش حاجة ) الذي يريد أن يُعدِم مُتّهما ودليله الوحيد (قالوله ) ورغْم أنّ الوهابية حركة لها أخطاءَها وزلاّتِها كأي حركة دينية في العالم إلا أن هُناك مُبالغة في شيْطنتِها وتشويه سُمْعتِها . لقد ظهر الإمام محمد بن عبد الوهاب في ظروف لا تقل بؤسا عن ظروف من سبقوه فقبائل نجد متناحرة والشركيات متفشية ومعظم إنحاء البلاد تخضع للاحتلال . و رغم ذلك استطاع أن يُشَكِّل لبِنة لدولة سلفية فتية قادرة على التعايش مع مُتغيرات العصر ؛ ولازالت هذه الدولة هي محط اهتمام العالم بقيمتها الاقتصادية وثقلها السياسي ومذهبها السلفي . وعندما يتساءل شخص ما عن أسباب شيطنة الوهابية وإظهارها بمظهر المسْخ الديني فنقول إن ذلك ربما يعود لسببين احدهما هو وجود دعوة سلفية موازية للدعوة الوهابية وهي الدعوة الإمامية . إن المذهب الشيعي هو مذهب سلفي أيضا حسب تعريفنا السابق وقد تم توارث هذا المذهب مُنذ عهد الخلافة الراشدة وحصول الفتنة بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين . وظلّ المذهب السلفي الشيعي في صراع وكراهية مع نظيره السُنِّي ولم يعْدَم حِيلة في محاوله تشويهه وإسقاطه , وترتب على ذلك العداء إيمان كِلا الطرفين بأنّ استمراره في الحياة يعني تلاشي الطّرف الآخر , كلاهما يتشابه في إيمانه بسلفه وموروثه ولكنهما يختلفان في مسألة الحاكم فالمذهب السلفي الشيعي يرى أن يسْتأثر المذهب بالحكم فتكون له السلطة التشريعية والتنفيذية ولهذا كان حِلْم الهِلال الشيعي الذي سيقضي على معاقل الوهابية حسب زعمهم !! أما السبب الثاني لشيطنة الوهابية فهو ظهور جماعات سلفية مُتعددة ومُعادية لبعضها البعض ومعادية لكل من يُخالف نهْجها وكُل جماعة ترى أنها على الحق اليقين وتدعي ارْتباطها بالوهابية بل أنّ البعض درَس على يدِ بعض شِيوخِها , وأصبحت تصرُفات كُلَّ هذه الجماعات تُنْسب للسّلفية الوهابية !!