تعيش بلاد الشام هذه الأيام مأساةً حقيقية , يندى لها الجبين وتدمى لها العيون وتنفطّر لها القلوب , فبعد أن كانت عروسةً جميلة , تتباها بحللها الفاتنة و طبيعتها الخلاّبة وجبالها الخضراء وحقولها الغنية بما تشتهيه الأنفس , وبحب البشريّة جمعاء لها , أصبحت اليوم مهجورةً من أهلها وأصحابها وخلاّنها بعد ان تكالبت عليها أيدي الأمم من كل مكان, فلا الصديق بات اليوم يذكرها ولا الحبيب أمسى على الأطلال يبكيها , ولا العاشق بشعره ونثره يترنّمُ لذكرى لياليها. بل تغيّر الحال وأندثر منها كل جميل, فطغى الدمار أرض الكرام ,وذُبِحَ كالنعاج طفلٌ, و إمرأةٌ هانت فأنتهك الأشرار لها عِرْضُ, ورجل يُقْتَلُ برصاص ,وشابٌ بالأقدام يداس , ونار تشعل فؤاد الشيخ فيبكي وتسيل منه دمعة بها صرخة تهدُّ أعتى الجبال. وعجوزٌ تصرخ صرخة إستغاثة وما من مهتم ولا من مغيث. جرى كالنهر دماء الأحرار بين شوارع القصير وأزقة دمشق وأروقة حلب, وجرت الأجنّة في بطون الأمهات بأباء غير الآباء, وكم من مجاهد في سبيل الله قد دفن حيّا و لسانه بذكر الله رطبا, و عن ذكر اللعين بشار ممتنع , رغم أفواه البنادق والرشاشات الموجهة إلى فؤاده ونحره, بلا خوف بل بعزةٍ وشموخ فلله درّهُمُ . هذا هو حال إخواننا السوريين بأرض الشام , هذا هو حال جيش النظام الغاشم مع أحرار سوريا, بين هتك أعراضٍ وإغتصابٍ وذبحٍ وقتلٍ وتشريدٍ وإمتهان. أممٌ كثيرةٌ إتحدت ضدهم وهم مازالوا صامدون يقاتلون لوحدهم, والمسلمون -عرباً كانوا أوعجما- واقفون ينظرون والخوف يرعش أجسادهم , قد رفعوا الراية البيضاء خوفا على أملاكهم وزوجاتهم , وحفاظا على دنيا فانية يعيشون بها لحظات هناء, فكأن المذبوح والمقتول والمغتصبة والمشردة عنهم غرباء , فأين قلوبهم عن الإنسانية وأين هم من قول الحبيب صلى الله عليه وسلم ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) , أما مسلمون اليوم يا رسول الله, فما هناك سهر ألمٍ ولا حمى ,فحياتهم لعبٌ ولهوٌ وجمع مال, وأعينهم ما عادت تحتمل رؤية الدماء والأجساد ماتحتمل حرّ السماء. أحرار سوريا الأبطال, أنتم من سيصنع المجد, بأيديكم لا بأيدي الخونة الجبناء , أحرار سوريا العظماء, أنتم من سيغيّر التاريخ بقلائل أسلحتكم فقوتكم ليست في السلاح وإنما قوة الإيمان بالله ترشدكم وتنصركم, أما النظام فسيسقط لا محالة وإن طال به الزمان أو زادت بهم قوة العتاد والسلاح, فما فائدة السلاح والقلوب تخاف من حثي التراب , سيركعون بين أرجلكم في يومٍ ما ,فالنصر يا شعبنا الحرّ آتٍ آت. ((اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا من يقول للشيئ كن فيكون , اللهم فرج كربتهم ، واشف مريضهم ، وتقبل شهيدهم ، وانصرهم على من ظلمهم ، ولا تكلهم لأنفسهم طرفة عين )).. 1