لا يختلف اثنان على أهمية النظام المصرفي لنهضة كل مجتمع حديث حيث أصبح لا غنى عنه لتلبية احتياجات الأفراد والشركات وحتى الحكومات أحيانا من التمويل اللازم للقيام بالمشاريع الضرورية للتنمية إضافة لتسهيل وتنظيم كافة الإجراءات والمعاملات المالية لكل فئات المجتمع ومؤسساته , ومع اضطرار البلدان الإسلامية للانضمام للنظام الاقتصادي العالمي الحديث راضية بذلك أو كارهة له كان لا بد لها في بداية الأمر من العمل ضمن ما هو قائم فأنشئت البنوك أو المصارف التقليدية لتكون حلقة وصل لها بالعالم الخارجي إضافة لمواجهة وضع داخلي بحاجة متزايدة لمثل هذا النشاط المالي الذي تقدمه هذه البنوك حتى يتسنى لها إيجاد بديل يعول عليه أن هي رغبت في ذلك بسبب حرمة مبدأ عمل هذا النظام الاقتصادي التقليدي, ولما كانت الشريعة الإسلامية -الصالحة لكل زمان ومكان- قادرة عل توليد نظام مصرفي بديل فقد بدأ العمل على تحقيق هذا الأمل منذ أربعة عقود فظهر للوجود أول بنك إسلامي ثم تواصل بعدها إنشاء المصارف الإسلامية بوتيرة متسارعة حتى انتشرت في وقتنا هذا في معظم البلدان الإسلامية وامتدت لتشمل بلدانا أخرى غالبية سكانها ليسوا من المسلمين وصارت بمثابة نظام مواز للنظام التقليدي ومنافس له وان كانت ما زالت اقل منه شانا بكثير قياسا بحجم موجوداتها على صعيد العالم ككل. حيث أن مبدأ عمل البنوك التقليدية في كل معاملاتها المالية يقوم أساسا على الربا المحرم في شريعتنا وذلك بإقراض المال لمن هو بحاجته مقابل استرداده في وقت لاحق مالا أكثر دون تحمل أي تبعات قد تنتج عن استخدام المال المقترض فان المصارف الإسلامية عملت على استنباط أدوات تمويل إسلامية غير محرمة واعتمادها كمبدأ بديل لعمل هذه الصيرفة , ولا يخفى أن المصارف الاسلامية التي تجهد لتطوير أدواتها المالية لاقت منذ انطلاقتها وما زالت رواجا كبيرا وإقبالا فاق التوقعات من الإفراد والمؤسسات المتعطشة لبديل يؤمن متطلباتها ويكفيها مسالة التعامل مع البنوك التقليدية في مؤشر واضح عن مدى رغبة عموم الجمهور الإسلامي في إيجاد نظام مصرفي متكامل متطابق مع إحكام الشريعة الإسلامية ويعمل باستقلالية تامة عن النظام التقليدي الربوي. رافق ظهور البنوك الإسلامية ومنذ اليوم الاول جدلا دينيا واقتصاديا غير منقطع حتى يومنا هذا بين مقر ومعارض لجواز الأدوات المالية أو بعضا منها التي تستخدمها هذه البنوك وجدواها الاقتصادية وان كان مثل هذا الجدل مستحق ومطلوب لتحقيق أفضل النتائج لناحية تطوير هذه الأدوات لتناسب الاحتياجات المتنامية للمجتمع ولضمان خلوها مما يتعارض مع مبادئ شريعتنا الإسلامية ولكنه من الاهمية بمكان أن نلفت الانتباه إلى وجوب أن يقتصر الجدل في هذا الموضوع على أصحاب الشأن من علماء دين ثقات ومختصين في المجال الاقتصادي وان لا يمتد للفرد العادي ليحل ويحرم على هواه كما يحصل أحيانا من البعض الذين يستسيغون اخذ فوائد تربوية على نقودهم التي يودعونها في بنوك تقليدية ويبررون ذلك بالقول أن لا فرق بين هذه الفائدة وتلك المرابحة في المصارف الإسلامية غرضهم من ذلك ترويج أفكارهم بجواز فوائد البنوك التقليدية -التي يجمع العلماء على حرمتها - بحجة عدم وجود فرق بين الحالتين متذرعين بوجود اختلاف بين العلماء أنفسهم بشان جواز هذه الأداة المالية أو غيرها من عدمه , وفي المقابل تجد آخرين من الإفراد المتحمسين ممن يحرمون على هواهم التعامل مع المصارف الإسلامية أو بعض منتجاتها المالية متأثرين كذلك بهذا الرأي أو ذاك. لمثل أولئك أو هؤلاء نقول: الواجب على المسلم العادي عدم إقحام نفسه في جدل كهذا وتنصيب نفسه مفتيا للناس من حوله وان تدخله بما ليس من شانه لا يقود سوى للفتنه والإضرار بمصالح الآخرين, إن أنت رغبت في التعامل مع هذه المصارف الإسلامية ففتاوى كثيرة تبيح لك ذلك وان كان في نفسك شك وخوف من الوقوع في حرام وتحرص على تجنب أمر ترى فيه شبهة فهذا خيارك ولكن لا تحاول فرضه على الآخرين . ولنتذكر جميعنا أننا في وضع لسنا فيه الأقوى في هذا العالم فنحن نعيش ضمن منظومة اقتصادية تهيمن عليها قوى غربية كما تهيمن في مجالات أخرى كما لا يخفى على احد وفي ظروف كهذه فان خيارنا الأفضل هو الحفاظ على المكتسبات التي تحققت لنا حتى الآن في مجال الاقتصاد والصيرفة الإسلامية التي نحمد الله على أن أوجد لنا القواعد التي انطلقنا منها لبناء هذا النظام الذي حاز على إعجاب العالم خصوصا بعد تماسك مؤسساته وصمودها في وجه اعتي أزمة اقتصادية ضربت العالم نهاية العام 2008 منذ عقود وتهاوت نتيجة لها مؤسسات مالية كبرى في اكبر اقتصاديات العالم وما زالت أثارها العميقة تتفاعل حتى يومنا هذا. أن تخلينا عن نظام صيرفتنا الإسلامي الذي شيدناه لبنة تلو الأخرى عبر عقود حتى وصل إلى ما هو عليه الآن كما يطالب البعض بحجة عدم جدواه الاقتصادية أو عدم اختلافه في الجوهر عن النظام التقليدي كما يدعون أو لأي سبب أخر يسوقونه فان البديل المتاح هو العودة للاعتماد التام على النظام التقليدي وبذلك نكون قد أضعنا كل هذا الجهد الذي بذل للانفكاك التدريجي من براثن هذا الاقتصاد فهل يعقل أن نقود أنفسنا بأنفسنا لوضع كهذا أم أن نواصل العمل للوصول للهدف المنشود بالانعتاق من هيمنة الغرب في هذا الجانب. عاهد علي الخطيب جامعة الملك سعود