التربية في إحدى مفاهيمها هي التدرج والتعهد المستمر , وهي عملية يتم بها الانتقال بالفرد من الواقع الذي هو عليه إلى المثل الأعلى الذي ينبغي أن يكون عليه وفق تطلعات الأهل والمجتمع , ونحن في مجال تربيتنا لأبنائنا نتأمل فيهم ونتطلع أن يرتقوا للمثل والقيم السامية التي ينشدها المجتمع ليتحقق البناء الصالح والنمو المثالي , وفي ظل هذه التطلعات التي نطمح إليها في تربيتنا لأبنائنا يعترضنا هذا التساؤل : على ماذا نربي أبناءنا ؟ . حتما إن التربية من أصعب ما يقوم به الإنسان في حياته إن لم تكن الأصعب على الإطلاق وخاصة في وقتنا الحاضر والتي تولت فيه القنوات الفضائية ووسائل الاتصالات والتكنلوجيا الحديثة زمام الأمور في تربية أبنائنا وتعهدها بهم إذ أن أطفالنا أول ما تفتح أعينهم وتخالط أفكارهم أفلام الكرتون والمغامرات والتي لا تخلوا من نشر السموم والأخلاقيات الهابطة , وأول ما تتحسس أيديهم أجهزة الجوال والأيباد وغيرها مما نرى أنها تسعد الطفل فتتولد لديهم علاقة وثيقة بهذه الأشياء , ومن عجب العجاب أن ترى طفلا لم يتجاوز الثانية من عمره وهو ماهر في تعامله من هذه الأجهزة والتقنيات الحديثة . لقد نسينا في ظل انغماسنا مع تقنيات العصر الحديثة ومغرياته المبهرجة ومشاغلنا التي نختلقها ولا تنتهي , فكيف لنا أن نربي أبناءنا تربية صحيحة سوية مثالية وكل همنا توفير سبل العيش الرغيد والرفاهية المتكاملة دون الاهتمام بما هو أصل وواجب ديني ودنيوي وهو التربية الصالحة , وفي ظل تهميشنا لتربية أبنائنا ومتابعتهم ومجالستهم والسؤال عن حالهم تولى المفسدون في الأرض من أصحاب الفضائيات الهابطة تعهد أبناءنا حتى صارت هي الراعية لهم ومصدر ثقافتهم ومحل ثقتهم واهتمامهم فأخذوا منها كل مأخذ . ففي واقع الحال نحن من جنينا على أبنائنا وتركناهم فريسة سهلة للمفسدين , ولم نكلف أنفسنا بمتابعتهم من قريب أو من بعيد وتركنا لهم الحبل على الغارب حتى غرق بنا القارب وكذبنا على أنفسنا تغطية على جنايتنا بقولنا : " هذا هو مقتضى الحال " فصارت بيننا وبين أبنائنا فجوة واسعة نزيدها كل يوم اتساعا فما أتعس حالنا ونحن نرمي بفلذات أكبادنا فريسة للأوباش الضارية , فهان علينا الأمر وهنّا معه , وقد غلبنا لين المعاملة المفرط والتدليل الزائد لهم حتى في مسمياتهم فلم نعد ندعوهم بأسمائهم التي سميناهم بها فبدلناها بتدليل مائع فتمايعوا معها وضاعوا في لكنتها . إنه لمن غرائب الأمور أن نربي أبناءنا على الرقص مع نغمات الأغاني وتشجيعهم على حفظها والتباهي بذلك على زعم الموهبة والإبداع , فيما نستصعب عليهم حفظ قصار السور من كتاب الله بحجة أنهم صغار وأن في ذلك تشديد وتضييق عليهم , فبالله علينا كيف رضينا لأبنائنا أن يهزوا خصورهم واستسهلنا عليهم حفظ الأغاني , وفي مقابل ذلك استثقلنا عليهم حفظ بعض سور القرآن الكريم علما أن حفظ القرآن في سن مبكرة أسهل وأسرع من الحفظ عند الكبر , ولكنها الغفلة وقلة الحكمة وتغليب الغواية على الهداية وهذا كله من مزاعم الشيطان وما سولت به أنفسنا . سأذكر موقفا وقفت عليه بنفسي وليس من قصص الصحابة الكرام – رضي الله عنهم – حيث جاء رجل فاضل يظهر عليه الوقار وهو يصطحب ولده يريده أن يلتحق بالمدرسة وهذا الطفل في السادسة من عمره وعند سؤال الوالد عن ولده وما إن كان قد درس في رياض الأطفال , فأجاب الوالد أنه لم يدرس في رياض الأطفال ثم أخبرنا أن ولده يحفظ من القرآن الكريم من سورة الناس حتى سورة طه ( أي ستة وعشرون جزءا ) فتعجبنا من قول الوالد – وما لنا ألا نتعجب وقد أ وشك بنا الحال أن لا نجد أمثال هذا – ثم طلبنا من الطفل المبارك أن يتلو علينا من سورة طه فقرأ بكل ثقة وإجادة وتجويد جميل , ولم يقف الأمر على هذا وحسب بل إن والده اختبره أمامنا حيث قرأ أية من القرآن وتعمد أن يخطئ فيها فقاطعه الطفل وصحح له قراءة الآية , فسألنا الوالد كيف استطاع ولدك في هذه السن أن يحفظ نصف القرآن فأجاب أن أمه تدارسه القرآن كل يوم وأنه يراجعه معه بين فترة وأخرى , فكان نتاج ذلك طفلا جميلا طيبا حافظا لكتاب الله ومجيدا لقراءته فأنعم بها من تربية سوية صالحة , فلقد رأى أهل هذا الطفل ما يجب أن يراه كل واحد منا وهو تربية أبنائنا على كتاب الله ومدارسته معهم وتوجيههم لنهجه القويم وسوف نجني من ذلك ثمارا يانعة طيبة كريمة . نعم هكذا يجب أن نربي أبناءنا وهذا ما يجب أن نتعهدهم به فإن في ذلك عزنا وعزهم وهذا ما سيرتقي بهم ويسمو بأخلاقهم ويجعلهم بناة صالحين , إن التربية السوية المثمرة هي أن نتعهد أبناءنا بما شرعه الله لنا في كتابه الحكيم وما بينه لنا نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – في سنته وسيرته المطهرة فواجب علينا أن نعلم أبناءنا سيرة نبينا – صلى الله عليه وسلم – لتكون لهم قدوة حسنة ومنهج حياة , وأن لا يريعنا عن ذلك دعوى باطلة ومزاعم زائفة ممن يرون أن في ذلك تشديد وتضييق عليهم , فليست من الشفقة أن ندعهم ينالون كل ما يرغبون وهكذا يجب أن يعتادوا ذلك منذ نعومة أظفارهم فالتعليم في الصغر كالنقش على الصخر , وما أعظم أن ننقش في نفوس أطفالنا المبادئ والقيم والأخلاق الإسلامية السامية التي تهذب الأخلاق . ختاما إننا بحاجة ماسة لمحاسبة أنفسنا وتغيير نمط تفكيرنا القاصر ووضع القيود بعدم تجاوز الحدود وعدم الخضوع في طائلة الضغوط الخارجية ممن فضلوا السفه على الفضيلة ففي نهاية المطاف لا ينتصر إلا الحق إذا وجد له نصيرا فلننصر أبناءنا بتربية مستقيمة مثالية منهجها كتاب الله وسنة وسيرة نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – فإن فعلنا فقد أبرأنا إلى الله الذمة وأفلحنا وأفلح أبناؤنا , وقد خاب من استغنى . وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ,,, 1 رائد النشاط الطلابي بمدرسة الامام البخاري في ابو عريش