إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون , أيخون إنسان بلاده ؟ إن خان معنى أن يكون فكيف يمكن أن يكون ؛ فخيانة الوطن في منطق بدر شاكر السياب رحمه الله أمرٌ عصيٌ على التبرير و التفسير , و للحق فهو كذلك في كل منطقٍ سديد و رأيٍ رشيد ؛ و حين نقول : " خيانة الأوطان " فلا يتبادر للعقل إلا الصورة الأبشع للخيانة و هي التآمر مع العدو ضد الوطن وذلك صحيح بلا ريب ؛ بيد أنه ثمة خيانات أخرى لا تقل خطراً و لا شراً عن الخيانة العظمى لأن مؤداها في نهاية المطاف عند العقلاء شيء واحد هو إنهاك الوطن و تدمير مقدراته,و يجد لها الخونة و أشياعهم ألف مبرر وسبب , وتعدُّ خيانة الأمانة الوطنية واحدةٌ من خياناتٍ يخون بها الخائنون أوطانهم بذكاء شيطاني عجيب , ذكاء تتم به الخيانة دون أن تكسر قانوناً أو تخالف تعميماً وتوجيها . فالخونة عباقرة في الشيطنة لا تكشفهم إلا أقدارهم التعيسة ؛ يثق الوطن بالبعض فيحمله الأمانة برئاسة هيئة , أو إدارة جهة , أو مسؤولية دائرة , و لكن المؤلم أن يكون هذا المسئول من خونة الأوطان الذين عجب منهم بدر السياب و لأن كل مشروع خدمي أو قرار إداري لا يُعتمد إلا بتوقيع من هؤلاء فإن تواقيعهم في الغالب لا تكون إلا ملوثة, لأنها لم تراع مصلحة وطنها و مواطنيها بل راعت في إعتماداتها و قراراتها و ترسية مشاريعها وتوزيع خدماتها مصلحتها الشخصية لا المصلحة الوطنية. هنالك خونة صغار يقنعون باليسير و هؤلاء خطرهم يسير, وخونة كبار لا يرضون بالقليل و هم الشر المستطير, فهؤلاء و أمثالهم هم السبب في غرق جدة و تحطم تبوك , و هم المسئولون عن تردي الخدمات الصحية و الأخطاء الطبية و هم المسئولون عن ارتفاع الأسعار وخلق أزمات الأسمنت و الحديد و الدقيق والشعير وهم أيضاً مسئولون في حصر أمنيات المواطن في مسكن كريم و رزق كريم , صدقوني وراء كل كارثة وطنية توقيع ملوث أوتواقيع ملوثة من خونة تجردوا من وطنيتهم , فلا تعجب يا بدر إن خان إنسانٌ بلاده 1[/size]