آمل كرما وضع هذا الموضع ضمن المقالات بسم الله , الحدُ لله , والصلاة والسلام على نبيّه وآله وصحبه من ولاه , وبعد : أحبتي القرا ء أردتُ أن أضع بين أيديّك حديث : (لو يعطى الناس بدعوا هم لادعى رجال دماء قوم وأموا لهم) وهذا الحديث الذي يُعدُ قاعدة ً تأصيّلية من قواعد العدل , والمسواة في القضا ء بين الناس والفصل في خُصُماتهم لترسى العدا لة ويتحقق وِآم المجتمعات وأمنها . فعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لويعطى الناس بدعوا هم لادعى رجال دماء قوم وأموا لهم، ولكن اليمين على المدعى عليه) هذه روايةالصحيحين، ورواية أهل السنن : (البينة على المدعي، واليمين على من أنكر) ، ويعتبر هذا الحديث من جوامع الكلم حيث إنه بيّن كيف يقضي القاضي؛ وذلك لأنه كثرت الدعاوى، فيوجد من يدعي وهو كاذب ظلماً وبهتاناً، فلو أعطي بدعواه لادعى أن هذا قتل أباه، ويريد قتله، أو أن هذا انتهب ماله، أو أن هذا ظلمه ، أو أن هذا ضربه وهو كاذب؛ حتى يحصل على مالٍ أو يحصل على ديةٍ أو يحصل على شفاء نفسه؛ فيكثر الظلم ، ويعطى من لا يستحق غير ما يستحق . وقدبين عليه الصلا ة والسلام أن على المدعى عليه اليمين: (اليمين على المدعى عليه) ، والمد عى عليه هو الذي إذا ترك سكت، وهو الذي يحب أنه يخلى سبيله ، جاءه إنسان وقال: أنت يا هذا عندك لي حق، عندك لي دين، أو ظلمتني، أو أخذت مالي، أو اقتطعت أرضي، أو سفكت دمي، أو قطعت طرفي، أو قتلت ابني، أو هدمت جداري ، أو قلعت شجرتي ، أو صدمت سيارتي، أو نحو ذلك؛ فأنكر ، وقال: ليس هو أنا، ما فعلت شيئاً من ذلك، لست أنا خصمك، وليس عندي لك حق، فالمدعي المطا لب هو المبتدئ، والمد عى عليه يريد الهرو ب، ويريد السلا مة، ينكر ذلك، وينكر أن يكون عنده شيء، ويحب أن يترك ويخلى سبيله ، فلما كان جانبه أقوى -لأن الأصل البرا ءة- جعلت اليمين عليه، فإن اليمين تكون مع من جانبه أقوى، فيقال له: إما أن تثبت ببينة وشاهدي عدل أن هذا ظلمك وأخذ حقك وإما أن يحلف خصمك، وتبرأ منه، وقد وقع ذلك في حديث الأشعث بن قيس الكندي لما تخاصم هو ورجل من كندة في أرض، فقال: إنه اعتدى على أرضي، فقال الكند ي الآخر : إنها أرضي ورثتها من أبي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للأشع ث : (ألك بينة؟ قال: لا، قال: فلك يمينه ، فقال: إذاً يحلف ويأخذ أرضي) ، وفي رواية قال: (إنه رجل فاجر لا يبالي بالكذب، فقال: ليس لك إلا يمينه )، ثم إنه عليه السلام أخبر بشدة عذاب من حلف كاذبا ً، فقال: (من حلف يمين صبر وهو كاذب ليقتطع مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان )، ونزلت في ذلك الآية الكريمة في سورة آل عمران : إِنَّ الَّذ ِينَ يَشْت َرُون َ بِعَه ْدِ اللَّهِ وَأَيمَانهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً [آل عمران :77] يعني: حظاً دنيوياً عاجلا ً أُوْلئِكَ لا خَلاق َ لَهُم ْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَل ِّمُهمْ اللَّهُ وَلا يَنْظرُ إِلَيهِمْ يَوْم َ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكيهِمْ وَلَهمْ عَذَا بٌ أَلِيمٌ [آل عمران :77] انظرو ا كيف توعد الله من حلف وهو كاذب، فعلى الشاه د أن يتثبت في شهادت ه، والحالف لابد أن يتثبت في حلفه، مخافة أن يأخذ بيمينه ما لا يحل له، ومخافة أن تنزل به عقوبة إذا حلف وهو كاذب، وبالأخص إذا حلف على أمر ماضٍ وهو يعلم أنه كاذب فيه، وهذه تسمى اليمين الغموس، فإنه يوشك أن يعاقبه الله عاجلا ً، وقد ورد في بعض الآثا ر: (إن اليمين الكاذبة تدع الديار بلاقع ) يعني: من حلفوا وهم كاذبو ن يسلط الله عليهم الآفات والمصائب والمو ت، ذكر ابن عباس أن رجلاً من قريش في الجاه لية قتله رجل من العرب ، فطلبو ا ديته فقالو ا: ما قتلنا ه، فقالو ا: يحلف منكم خمسون ، فأحد الخمس يندفع ناقتين وقال: اعفوني من اليمين، والثاني من الخمسين أعفوه لأنه صهرلقريش ، وثمانية وأربعون حلفوا وقالو ا: ما قتلناه، فما دارت السنة وفيهم عين تطرف، هكذا في صحيح البخا ري عن ابن عباس ، فلذلك يتوقى من الحلف كاذباً كما يتوقى من الشها دة كاذباً. ه والله تعالى أعلم ذا كتبه / الحسن بن ثابت