انتهت في مصر محاكمتان حظيتا باهتمام كبير على الصعيدين الداخلي والخارجي، حيث تضمنت الأحكام التي صدرت فيهما مفارقة وتناقضا صارخا رغم أن الفارق بين الحكمين لا يتعدى سوى أشهر قليلة: الأولى قضية "قناص العيون" والثانية فتيات "7 الصبح". ففي مارس/آذار الماضي، أدين ضابط شرطة بإطلاق الخرطوش مستهدفا أعين المحتجين عن عمد أثناء مظاهرات نوفمبر/تشرين الثاني 2011. وعوقب هذا الضابط الذي اشتهر بلقب "قناص العيون" بالسجن ثلاث سنوات. وقبل أيام، أدينت 21 امرأة وفتاة بتعطيل المرور أثناء مظاهرة مؤيدة للإخوان المسلمين الشهر الماضي، وحكم على 14 امرأة منهن بالسجن 11 عاما، بينما أودعت الفتيات السبع اللاتي تقل أعمارهن عن 18 عاما مركزا للأحداث. وأصابت هذه الأحكام المعارضة ونشطاء حقوق الإنسان بالذهول حتى بمعايير حملة قمع قتلت خلالها قوات الأمن مئات الإسلاميين واعتقلت الآلاف منذ عزل الرئيس محمد مرسي يوم 3 يوليو/تموز الماضي. وقال رمضان عبد الرحمن الذي كانت ابنته رضوى (15 عاما) وزوجته سلوى من بين المحتجات اللاتي عوقبن، إن "الحكم صادم.. لم يكن أحد يتصور أن مصر ستسجن بناتها بدعوى أنهن تهديد للأمن". وتساءل عبد الرحمن "هل هذه الأحكام هي التي ستؤدي إلى الهدوء في مصر؟". وتراقب الولاياتالمتحدة الوضع في مصر عن كثب، وحثت الحكومة المؤقتة مرارا على التحلي بضبط النفس في التعامل مع معارضيها، وذلك بعدما أعلن القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي خريطة طريق من المفترض أنها تقود إلى انتخابات رئاسية. وجمدت الولاياتالمتحدة منذ الإطاحة بمرسي بعض المساعدات العسكرية للقاهرة، ويحث الاتحاد الأوروبي على مصالحة سياسية من أجل الاستقرار في مصر التي تربطها معاهدة سلام مع إسرائيل وتسيطر على قناة السويس، وهي ممر حيوي للملاحة العالمية. وتشيد وسائل الإعلام المملوكة للدولة ووسائل الإعلام الخاصة التي تندد بالإخوان المسلمين بشجاعة قوات الأمن، لكن إدانة النساء والفتيات المؤيدات لمرسي رفع الحملة إلى مستوى جديد مما يهدد برد فعل عكسي. ولم تخرج إلى الآن مظاهرات تندد بالعقوبات، لكن الانتقادات بدأت تظهر في مواقع التواصل الاجتماعي، وطالب المعارض حمدين صباحي بعفو رئاسي رغم أنه معارض شرس للإخوان. وقد تعطي الأحكام الإخوان المسلمين ذخيرة سياسية بينما يحاولون التعافي من حملة قمع أضرت بشدة بقوة الجماعة. وقال التحالف الوطني لدعم الشرعية الذي يضم أحزابا مؤيدة للإخوان المسلمين في بيان له، إن "القضاء يحكم على فتيات الإسكندرية خلال أيام ويسير بسرعة السلحفاة في محاكمات مبارك وعصابته". وأضاف البيان منتقدا استقلال القضاء أن الأحكام "تثبت أن استقلال القضاء في ذمة الله". وتعتبر المظاهرات قضية حساسة في بلد أطاحت فيه سلطة الشعب برئيسين في أقل من ثلاث سنوات، حيث تزامن صدور الأحكام على النساء والفتيات مع توترات بسبب إقرار قانون يفرض قيودا صارمة على المظاهرات. وبينما يؤيد مصريون السيسي وخريطة الطريق، أصبح غير الإسلاميين أكثر انتقادا للجيش مما يشير إلى أن السلطات بحاجة إلى أن تتصرف بحذر أكبر. وقال رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس الشعب المنحل محمد أنور عصمت السادات إنه فوجئ بسرعة صدور الأحكام في هذه القضية، وبيّن أنه كان يأمل أن تظهر المحكمة قدرا من الرأفة لاسيما أن المتهمات نساء وفتيات. ووصفت تمارا الرفاعي من منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الإنسان التي تتخذ من الولاياتالمتحدة مقرا لها، هذه الأحكام بأنها "صادمة"، وقالت إن "الفتيات السبع قاصرات ويعتبرن أطفالا". وعبّرت تمارا عن اعتقادها بأن الأحكام تأتي في إطار حملة واسعة تستهدف سحب حق الاحتجاج من الشعب، وهو حق انتزعوه في ثورة يناير/كانون الثاني 2011 إلا أن السلطات تحاول سلبهم إياه. وندد أقارب النساء والفتيات بحكم المحكمة، لكنهم قالوا إنه سيقوي عزيمتهم ضد ما يسمونه الانقلاب العسكري الذي أطاح بمرسي. وقالت شاهندة عبد الرحمن (13 عاما) إنها لا تستطيع أن تصدق أن أمها حكم عليها بالسجن 11 عاما، وأضافت بعدما زارت أمها في السجن أن الحكم جائر وسياسي، لكنها قالت "لقد بدأنا السير على الطريق ونعرف ما سيحدث لنا ولن نتراجع".