تختلف المواقف بين متعصب يرى التجاوز بطولة وبين عاقل ينظر بعين الحكمة ويرفض كل من يحاول تشويه المنافسة الرياضية بتصرفات لا تمت للأخلاق بصلة. ففي الأولى يبرز الوجه القبيح لكرة القدم أما في الثانية ففيها ما يجعلنا نتباهى بكل صوت أو فكر أو قرار ترتكز مقوماته على مجابهة الإساءات سواء باللفظ أم سواء بالركل على اعتبار أن كل ما يتعارض مع أخلاقيات هذه اللعبة الجميلة لا يمكن القبول به حتى وإن حاول المتعصبون الدفاع عنه بالتبرير تارة أو بالعاطفة الجياشة تارة أخرى. بالأمس الأول قدم لنا رئيس النادي الأهلي الأمير تركي بن محمد درساً بليغاً في كيف يتعامل الكبار وذلك من خلال اعتذاره لرئيس الهلال عما بدر من اللاعب الأهلاوي الشاب هاني الصبياني الذي لم يحسن التصرف فقام بركل لاعب هلالي وفي مشهد لم نتمنَ رؤيته. هذا الاعتذار المفعم بالفخامة جاء إلينا وإلى مجالنا الرياضي الصاخب حاملاً معه الكثير الكثير من المعاني فهو دليل على أن التحول الذي تشهده الرياضة السعودية اليوم يتمحور حول القيم والأخلاقيات والتنافس الشريف والابتعاد عن الإساءات التي قد تصل حد احتقان الجماهير كما يأتي كذلك كإعلان لمرحلة جديدة تتسم فيها قدرة رؤساء الأندية وتنسجم مع الرغبة في تنشئة مواهب كرة القدم الشابة وبالطريقة المثلى التي تعتمد اعتماداً كلياً على روح المنافسة الشريفة وروح الأخلاق معاً وتعديل المسار بعد أن كان المتعصبون في الأندية والإعلام الرياضي وفي المدرجات سبباً مباشرًا في تغذية التعصب والانفلات. البعض وهم قلة يرون في اعتذار رئيس الأهلي نوعاً من الضعف والخنوع لما يسمونها دائماً بالسطوة الهلالية أما العقلاء وهم الأكثرية بلا أدنى شك فيرون العكس من ذلك، يرون هذا الاعتذار شهامة وفروسية ومسؤولية تحتم على من يتولى إدارتها القيام بذات الفعل الذي أقدم عليه حفيد مؤسس الكيان الأهلاوي لما له من تأثير بالغ الأهمية في صناعة مرحلة رياضية تنافسية احترافية راقية وحضارية. شكرًا للأمير تركي بن محمد على تصرفه والأمل أن يصبح هذا الاعتذار ديدن البقية كما نتمنى مع الأمل تلاشي الخشونة المفرطة والتهور المسيء لأن كرة القدم لعب للجمال والمنافسة المثالية ولا يجب أن نحملها أكثر مما تحتمل. الكل يعلم يقيناً أن المراحل الماضية كانت تعج بالتجاوزات لهذا طغى التعصب وساد أما اليوم فلا يخفى على الجميع بارقة الأمل التي بزغ نورها بهذا التحول الجميل في رياضتنا والذي يجعلنا نتفاءل مع المتفائلين بميلاد مستقبل مغاير تسوده المحبة والمنافسة والنتائج والنجاحات التي تشمل كل من ينتمي لهذا الوسط الرياضي الكبير بإذن الله وسلامتكم.