يعدّ الغشُّ والخداع من الآفات الاجتماعية الكبيرة في واقعنا المعاصر، والذي تضخم عندنا وجوده، وكبر لدينا حجمه ، وزاد انتشاره في كافة الميادين، ومختلف المجالات. وهو فعل فاشل من إنسان خاسر؛ استغل الثقة فيه، وإحسان الظن به، فاحتال لنفسه بالخديعة على غيره، معتقداً أنه الرابح الكسبان، بينما صنيعه في بوار، وحياته إلى خسران، فمن عاش بالحيلة مات بالفقر، (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله). وللغش مظاهر كثيرة، وأشكال عديدة، إذ تجده لدى التاجر المحتال في بيعه، يعطيك من طرف اللسان حلاوة، ليبيع البضاعة على إنها أصلية، وذات جودة ومتانة ، بينما هي ليست كذلك، وهناك التاجر الذي ينفق تجارته بالتدليس والحلف الكاذب، وكتمان عيوب السلعة، والتغيير في تاريخ الصلاحية. إن الغش مرض شائع لدى البائعين في كل مجال، خصوصاً بائعي الفاكهة؛ إذ فيهم من يضع في نهاية الصندوق أوراقاً كثيرة، حتى يزيد من حجمه، أو يضع الفاسد منها في أسفله ،... فالواجب مع صاحب هذه المخالفات ردعه ومقاطعته . وفي مجال البناء؛ ترى الأيادي الخائنة للأمانة؛ التي تمارس الكذب والحيلة، والغش والخداع ، فيقع الزبون الساذج بينهم فريسة سهلة؛ مادام لا يعرف مكرهم وألاعيبهم. كما ستشاهد في سوق البناء مواد رديئة ، وأدوات مضروبة ؛ لها أسعار مغرية، لكنها تتلف بسرعة، إذ لا تنفع كثيراً، ولا تدوم طويلاً، فلماذا أسواقنا تمتلئ بالمنخنقة والموقوذة، والمتردية والنطيحة ؟! وفي سوق السيارات تجد الغش والتغرير ماثلاً أمام عينيك؛ كأن تُرفع سعر السيارة ؛ بقصد الإثارة والتغرير بالمشتري، أو وجود عبث بعداد سير السيارة، حتى يسهل بيعها، أو وضع زيت ثقيل في محركها ؛ حتى يظن المشتري أنها بحالة جيدة. وأما محلات قطع الغيار؛ فهي مليئة بكل ما هو سيء وخطير؛ يؤدي إلى الهلاك، وهي التي ما كان ينبغي إدخالها إلى البلاد. ومن الغشاشين المجرمين؛ ذلك المعلم الخائن للأمانة التي تحمَّلها؛ تراه يتهاون في تدريسه، أو يهمل التوجيه السليم لطلابه؛ فيغش الأمة بكسله وفتوره. كذلك ترى بين طلاب العلم من يلجأ للغش عبر ( البراشيم )، وفيهم من يقتنص الإجابة في الاختبارات؛ لينجح على أكتاف زملائه المجتهدين. وهناك الموظف الذي يغشُّ كثيرًا في دوامه، ويتقاعس عن دوره، ويرتشي في عمله ، وهو لا يعلم أضرار ذلك على نفسه، إذ أيما جسم نبت من الحرام؛ فالنار أولى به. إن الغاش شخصية متعدية بغيضة، لها ذات دنيئة، ونفسية شريرة، استهانت بالله تعالى، فلم تبالي بأمره، ولم تخش عقابه، فالغش طريق إلى النيران (والعياذ بالله تعالى)، وهو سبب للحرمان من إجابة الدعاء، ومن البركة في العمر والمال، وفي الحديث الشريف: (... وما بخس قوم المكيال والميزان ؛ إلا أخذوا بالسنين، وشدة المؤونة، وجور السلطان). وحتى لا يخدعنا الغشاش، ونقع في شباك مصيدته؛ عليك أن نستخير ونستشير، حتى نتأكد من صدقه وأمانته، ولعل مما يحمينا منه، ويحفظ الحقوق ؛ حضور شهود، ووضع مواثيق وعقود. كذلك لكي نسلم من شروره، ونرتاح من مفاسده؛ ينبغي علينا محاسبته محاسبة دقيقة، ومكافحته مكافحة قوية، والعمل على منعه والتشهير به، فمن جاهر بالمعصية؛ جاز التشهير بفسقه، على سبيل التحذير والنصيحة. د.عبدالله سافر الغامدي جده.