نجيب الزامل * أهلا بكم في «مقتطفاتِ الجمعة» *** * حافزُ الجمعة: انتبهوا لهذا! عندما تشتعلُ عواطفُنا خوفاً أو ضيقاً من أمْرٍ حلّ، يكون عقلُنا بأصفى حالاتِهِ تركيزاً على اللحظةِ الحاضرة. وهناك دراسةٌ غريبةٌ وعلميةٌ، قام بها الباحثُ «دايفد إيجِلْمان»من «هيوستن»، تثبت هذه النظرية، حين مرّر على متطوعين أرقاماً وامضة وهم مرتاحون، فلم يستطيعوا قراءتها لوميضها السريع.. ثم لما قفزوا ألْ «بَنْجي» (القفزة الهائلة التي تُربَط بها قدمُ القافز للهوّةِ السحيقة بحبلٍ يمسكه في آخر لحظة قبل الارتطام بالأرض). عرض أمامهم بجهازٍ معلق أمام أعينهم ذات الأرقام الوامضة، وهم في ذروةِ الهلَع.. فقرأوها بوضوح! ووجدتُ أن «أرسطو» قال شيئاً عظيما مشابهاً قبل «دافيد» بعشرات القرون: «الخوفُ الآني يجعل الإدراكَ ينفض كل أوهامِهِ وتصوراته ليستيقظ على اللحظة، والموتُ لا أحد يركز حوله تفصيلا في كل لحظةٍ، ليس لأنه غير مخيف، ولكن لِمَا يتصوّره الشخصُ بأن الموتَ بعيد..». إذن، كل ما يخيفك إنما في الحقيقةِ ينفعُك! *** * قضية الأسبوع: طلبت مني القارئة المتابعة «هاجر» إعادة ما خرج بجريدة «اليوم» لقراء «الاقتصادية» كقضيةٍ للأسبوع، لأهميته كما قالتْ: «لم أكن أعلم أن الآنسة «شريفة» الأمينة العامة ل «رابطة العودة للجذور» بمانيلا، الرابطة التي تُعنى وتهتمّ ببناتِنا وأولادنا المتروكين في الفلبين، ستسبب لي عاصفةً من الندم، والدمع.. حين أرسلتُ لها، من ضمن من أرسلتُ لهم، رسالةً هاتفية أتتني من ابنتي الوحيدة، كتبتْ فيها: «قد أجدُ يوماً أميري، ولكن أبي سيبقى دوماً مليكي». وشريفة قامت بإعادةِ إرسالها إلى كل أعضاء الرابطة، فثارت عاصفةٌ من الوجدِ والشوق، وأرسلت لي قِطفاً من رسائل البناتِ والأولاد: * من حنان، وتدرس الطبَّ في لندن بفضل تكاتف مؤسسي الرابطة: «وصلتني رسالة نورة من شريفة، وتذكرتُ أبي الذي لم يرضَ حتى أن يردّ على مكالماتي.. للمرة المليون تناولتُ الهاتفَ، ولم يردْ.. كنتُ فقط أودّ أن أقول له: أنت مليكي. بعدها.. سأموتُ أميرة!». * من مشاعل: «شريفة.. لقد بكيتُ لما وصلتني رسالة نورة لأبيها، بكيتُ فرحةً من أجلها، وبكيت حسرةً من أجلي. فأخرجتُ صورةَ أبي القديمة، وهو يضمني، ورسمتُ فوقها تاجاً ملَكياً، حضنتها ثم بكيتُ حتى غفوت!». * من نايف: «أختي شريفة: في الأمس جاءني عمّي من السعودية، وعرض علي مالاً مقابل أن أسكت عن مطالبتي برؤية أبي، وتعلمين أني رفضتُ العرضَ. ولو وصلتني رسالة نورة حينها لألهمتني بهذا الجواب: لا يبيع مليكَهُ بالمال إلا خائنٌ.. وأنا لستُ خائناً». * من سلطان، وهو في العاشرةِ من عمره: «أختي شريفة، هل والدُ نورة هو الملك عبد الله؟!». * من رباب: «أبي، يا شريفة، ملكٌ تخلّى عن شعبِه!». * من كُليْجا: «كنت وأنا صغيرة أنامُ تحت أنفاس أبي.. أريد تلك الأنفاسَ يا شريفة بأي ثمنٍ مرةً أخرى.. كانتْ أنفاس مليكي!». * سارة: «مازلتُ أحتفظ بتاج ملكة جمال «كافيتي»، كما تعلَمُ يا سيدي، والآن بعد أن تحجَّبْتُ، وضعته على الإطار الغالي الذي به صورة الغالي.. مليكي: أبي!». * راشد: «فقط، أريد أن أقول: بابا». * حتى «شريفة» لم تنسَ أن تقول:»سأحكي لكَ قصةً لم قلها لأحدٍ قط: كان أبي ينامُ على أريكةٍ بعينها لما عاش معنا في مانيلا لسنوات. وكنتُ أصرّ على أن أنام في حضنِهِ. كبرتُ، واستقللتُ بنفسي، ومضيتُ بحياتي، وتنقلتُ في أكثر من منزل ومعي الأريكة. أعودُ طفلةً تشتاق إلى أبيها في الليل، وأنام على تلك الأريكة التي كان يضمني فيها.. مليكي. تلك الأريكةُ عرش حياتي. ما زال العرشُ خالياً ينتظرك يا أبي..». *** * الكاتبة المتفوقة الأستاذة «البتول الهاشمية» الكاتبة في جريدة «المدينة».. أكرمَتني بمكالمةٍ بعد خروج مقال لها بعنوان «يا مجلس الشورى» أثارَ نقاشاً إعصارياً، وضجّ موقعُ الجريدة بردود قرّائِها الكُثُر، تسألني فيه عما أورَدَتْهُ بمقالِها عن قراءتها لخبر تأسيس هيئةٍ للكتاب، وأن الملكَ أحاله للمجلس، وجاء من يخبرها بعدم صحة الخبر. والحقيقة أني أيدتُ من نفى، فلم يدُرْ هذا الموضوعُ بالشورى، بحدّ علمي، ولم ترفعه اللجنة المعنية للمجلس. ثم إن الموضوعَ، في رأيي، ليس موضوعاً يحمل صفة المواضيع التي تُحال على المجلس، وربما كانت وزارة الإعلام، أو أية هيئة ثقافية، أو قرار منفصل يُعْنى بهذا الموضوع. على أن مبادرة الأديبة البتول الهاشمية اعتبرتها فألاً حسَناً نتمنى أن يتحقق لتضم كتّابَ الأعمدة والمقالاتِ هيئةٌ واحدةٌ لتوثيق العُرى الشخصية، وتخفيف حدة الصدام في الآراء، والدفاع عن الحقوق العادلة. فلو كانت تسعى الأستاذة بالفعل لتأسيس رابطةٍ كهذه فأُعْلِنُ أني أحملُ كل بياناتي للتسجيل.. إن صدَقتْ علي صفةُ الكاتِب! *** * وأثار مقالُ «بنت الخبر» عن البطالةِ والعمل، شجوناً في قلبِ الإنسان الكبير الدكتور «سعد عطية الغامدي»، فأرسل في التوّ قصيدةً، أختارُ منها هذا المقطع: قام شمْساً.. راحَ بدراً، ما توارى، بل توالى واكتمَلْ لم يعشْ تقذفهُ الأبوابُ للأبوابِ، يغشاهُ من القومِ الخَجَلْ بل مضى كالسيفِ صلْتاً، يقطع الصبحَ جهاداً.. في ميادينِ العمَلْ! في أمان الله..