ولأسباب لا دخل لها بالإجازة بقدر ما هي مرتبطة برحلة أسبوعية كل أحد، كان الأحد الماضي يوافق «يوم الحب». ولأسباب مرتبطة بالوحدة وعدم الانشغال بالثرثرة مع أحد، كان من الطبيعي أن أسجل الفروقات بين مدينتين، إحداهما تم تكثيف الرقابة على بائعي الورد والهدايا والمطاعم «والبلاك بيري»، وأخرى استمر تكثيف الرقابة على من يحاول سرقة الناس أو سرقة السيارات الواقفة عند بيوت موظفين نائمين مبكرا، ليستيقظوا صباحا ظانين أن سياراتهم مازلت تنتظرهم في الخارج لتأخذهم للعمل، حتى لا يضطر للذهاب للشرطة ليقدم بلاغا، فيتأخر عن العمل، وتتأخر مصالح المراجعين الذين هم أيضا أو بعضهم موظفون في مكان آخر، وتعطيلهم يعني تعطيل غيرهم، أرأيتم ما الذي يحدث حين تسرق سيارة موظف، يختل العمل بأغلب المؤسسات؟. في مساء ذاك اليوم وتحديدا في الساعة الخامسة والنصف، أي بعد تبديل «الورديات» في أحد فنادق مدينة أبوظبي، كنت جالسا في المقهى، أمام جدار زجاجي يطل على باحة الفندق المليئة بالمطاعم. كنت أراقب العابرين للمطاعم المنثورة على شاطئ الخليج، امرأة ورجل وباقة ورد حمراء بينهما، أربعيني وزوجته وطفلاه يتبارزان بوردتين بدلا من السيوف، عجوز قديم ووسيم، كان ممسكا بيد زوجته العجوز، وكانت ترفع الوردة إلى أنفها تشمها قليلا وتقبلها قليلا. عادت عيناي للداخل بعد أن رصدت حالة فرح شاركتهم فيها بسبب ذاك العجوز الرائع وحبيبته التي لم تسرق السنين كل جمالها. شاهدت مدير الفندق وهو يحمل سلة بيده، ويمر على موظفيه مرددا «هابي فلنتاين»، قبل أن يمد وردة لموظفي الاستقبال وحامل الحقائب، حتى المزارع المشغول في الخارج بتنسيق الأشجار كان له نصيب من الورود، وكانت ابتسامته رائعة وعيناه فرحتين بتلك الوردة وتلك الجملة «هابي فالنتاين»، مع أنه من المفترض ألا تفرحه وردة وهو صانع الورد. لم يقدم لي أحد وردة، ومع هذا أصابوني بعدوى الفرح والسعادة، اكتشفت أن الحب أوسع من أن يتم حصره بالغريزة، وأن ذاك المدير يمكن له أن يقول: اليوم لم يهجني أي موظف، لأن الحب كان يملأ قلوب الموظفين، وكنت سأشهد على كلامه، مع أن هناك ملايين الأسباب لسب المديرين. أعرف أن البعض سيأتي غاضبا، أنا أيضا حاولت أن أغضب وأكره هذه المشاهد، لكني لم أستطع، ربما ذاك السبعيني وزوجته الستينية ووردتها، هم من أصابوني بعدوى الفرح، وقتلوا كل غضبي في ذاك اليوم على الأقل، لأني أيضا أنا لم أهج المدير . أعرف أيضا أن هناك من سيقول «علينا ألا نقلدهم»، وهذا صحيح، ولكن ما رأي سكان مدينتي لو أننا اتفقنا على يوم آخر للحب، وأن يكون «يوم الحب» هو يوم مهم لدينا، والجميع يتفق عليه، أم أن هذا اليوم سيضرب عقيدتنا في مقتل أيضا؟.